Muhalhil Sayyid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Noocyada
فأسرعت إليه امرأته وصاحت به وهي حانقة: قتلوا كليبا وأنت منصرف إلى شرابك ولهوك!
فنظر إليها المهلهل في غضب، وقد وخزته كلماتها وثار الدم في رأسه حتى ذهب عنه أثر الخمر، وقال لامرأته: ماذا تقولين يا امرأة؟
ورفع رأسه واعتدل في وقفته، وتغير لون وجهه فصاح به القوم في غضب: قتل المنيع العزيز، فكن حيث شئت. كن حيث شئت، فما نراك تبالي.
فاربد وجه المهلهل ونظر إلى قومه غاضبا، واكتسى مظهره عزما لم يعهده فيه أحد، وقال كأنه يفيق من حلم: «قتل كليب؟»
ثم ذهب إلى جانب من الفناء، فجلس على صخرة ووضع ذقنه على يده، وجعل ينظر إلى القوم حينا، وهم في شغل عنه بما هم فيه من اضطراب وجزع، يكسرون السيوف والرماح، ويتصايحون لكي يبعثوا إلى الخيل ينحرونها؛ فاشتعل قلبه غضبا، ودبت فيه ثورة عجيبة، فوثب من مقعده، وصاح صيحة ترددت أصداؤها في الليل المظلم: أيها الحمقى! ماذا تفعلون؟
فنظر إليه القوم في عجب، ورأوه يتجه إليهم عنيفا، فوقفوا ينظرون ماذا يريد منهم ذلك السكير. ووقف رافعا رأسه وعيناه تلمعان، وضوء النيران الملتهبة تتلاعب على وجهه المربد، وقال لهم بصوت أجش: إنكم تسبونني منذ الليلة، وما أنتم إلا كبعض النساء، أراكم تكسرون السلاح وتقتلون الخيل، وأنتم الآن أحوج ما تكونون إليها.
فنظر إليه الرجال لحظة لا يصدقون آذانهم إذ يسمعون. أهذا المهلهل الذي يكلمهم؟ واستمر المهلهل فقال: دعوا الحزن للنساء، دعوهن يشققن الثياب ويصبغن الوجوه، ويصرخن ويبكين. أما أنتم فاتخذوا السيوف وأعدوا الخيل وقوموا الرماح. دونكم الحرب فاستعدوا لحرب ضروس.
ثم ترك الناس وقوفا، وذهب عنهم صامتا مطرقا، يعلوه شيء من الحنق وشيء من الخزي، حتى إذا ما صار في بيته ارتمى في ركن وجعل يبكي وحده، ويتمثل ما هو فاعل إذا أصبح الصباح.
واجتمع نساء تغلب في تلك الليلة للنواح في بيت سيد ربيعة، وعلا صراخهن حتى ترددت أصداؤه في جوانب الشعاب.
وكان في وسطهن امرأة طويلة القامة سمراء اللون، هيفاء دعجاء، قد شقت ثيابها، ونشرت شعرها الأسود الطويل، وعفرت وجهها الجميل، وكانت تختلج وتهتز من شدة البكاء، وكان النساء يشرن إليها ويتهامسن بين صرخاتهن: هذه جليلة ابنة مرة سبب البلاء، إنما هو أخوها جساس وقومها الجناة.
Bog aan la aqoon