Muhalhil Sayyid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Noocyada
قام يوما من تلك الأيام من نومه في بكرة الصباح، فأخذ قوسه وكنانة سهامه وهم بالخروج، وكانت امرأته جليلة تنظر إليه وعيناها مغرورقتان بالدمع، تتبع حركته في لهفة ووجل، وتسأل نفسها متى يعود السلام إلى قلب هذا الزوج الحبيب الذي قد تبدل فصار لا يطمئن ولا يستقر. وكانت آلامها تزيد كلما تذكرت أن سبب كل هذا الذي أصاب زوجها من الاضطراب، إنما هو أخوها الذي أثار عليه النفوس وتجرأ عليه في غيبته وأمام عينيه، ولم تستطع هي ولا أحد من أهلها أن يسلوا من قلبه الحقد الذي ملأه وملك عليه زمامه. ولقد طالما حدثته وتوسلت إليه وسمعت أمها تجادله وتحاول أن تثنيه عن عداوته، وسمعت أباه وهو يعنفه ويغلظ عليه القول، ولكن ذلك كله ذهب مع الريح وبقي جساس يغذي وساوسه وعداوته بكل ما استطاع أن يلتمسه من علل. فكان يرى في كل نظرة من نظرات كليب احتقارا، وفي كل كلمة من كلماته إهانة، وفي كل فعل من أفعاله آية جديدة على كبريائه وطغيانه. ولج به الخيال حتى حلت هذه الوساوس محل العقيدة لا يتزعزع عنها، ولا يقبل المجادلة فيها، فكان هذا أبعث على زيادة تألمها واشتداد حيرتها.
فلما رأت زوجها خارجا ولم يستقر في منزلها إلا بعض ليلة، برح بها الحزن ووقفت في سبيله تنظر إليه صامتة والدمع يجول في عينيها.
فنظر إليها كليب واهتز فؤاده إشفاقا، وقال لها وهو يحاول الابتسام: ما لي أراك مكتئبة يا جليلة؟
وكأن هذه الكلمة قد حلت عقدة حزنها فانفجرت تبكي، وألقت يديه على كتفيه وطوقت بهما عنقه، وأمالت رأسها إلى صدره وهي تنشج بالبكاء.
فوضع يده على رأسها ثم ضمها بعطف، وقال لها: «إنني لا أطيق بكاءك يا جليلة، فما الذي يحزنك؟»
فقالت له في بكائها: «لو كنت تتألم لحزني لما غبت عني كل تلك الأيام، إنك لم تأت من صيدك إلا الليلة وأراك تبكر بالخروج.»
فقال لها وهو يحاول الابتسام لتهدئتها: «أتحبين أن تكوني معي يا جليلة؟ لقد وددت لو ركبت الخيل ورميت بالقوس، فإنك خير من أحب صحبته.»
فقالت جليلة وفي صوتها رنين اللوم: «بل تريد أن تبعد عن منزلك وتتعمد أن تغيب عني.»
ثم نظرت في عينيه قائلة: «بحق مناة يا وائل ابق معي، بحق أوال لا تخرج اليوم عني.»
فقال كليب باسما: «كأنك تخشين علي إذا خرجت؟»
Bog aan la aqoon