Maxkamadda Gilgamesh
هو الذي طغى: محاكمة جلجاميش: في عشر لوحات درامية
Noocyada
وكان من الطبيعي - على الرغم من القصور العلمي - أن أغوص بقدر ما وسعتني القدرة في أعماق ذلك العالم الشاسع، وأن أعاود قراءة جلجاميش في ترجماتها وصيغها المتاحة، وتحركت الشوكة القديمة، وتجدد وخزها الأليم! عايشت الملحمة وتعاطفت مع شخصياتها، وأحسست بالثروة الدرامية الكامنة في الكثير من أحداثها ومواقفها، وتجلت لي في ضوء ساطع لا يقدر عليه إلا كل عمل فني حقيقي، وهو الإيحاء بالأبدي المطلق من خلال المحدود المقيد (بالشكل واللغة والبيئة والعصر والأدوات الفنية ... إلخ)، ودفع التوتر «الجدلي» بينهما في وحدة عمل فني يحدد مستوى، كما له إمكان بقائه وتأثيره جيلا بعد جيل، وتوالت الهموم الشخصية والعامة بما جعل الإمساك بالقلم هو الوسيلة الوحيدة للتخفف من وخزات الشوكة وجراحها الدفينة . وشرعت في الكتابة وكأنني أمشي على الصراط؛ فالإجلال للملحمة يمنعني من الاندفاع إلى التجريب (على الرغم من الاعتراف للأديب بحقه المشروع في التصرف الحر في مادته التاريخية أو الأسطورية)، والكتابة بكل خصوصيتها وضروراتها الحميمة لا تسمح بأن يتحول العمل إلى ترجمة يمكن أن تغني عنها أية ترجمة أمينة. وحاولت أن أمسك بالميزان العدل؛ لا أفرط في أي خطوة من خطوات جلجاميش على الطريق إلى المجهول، ولا أسقط أي حادثة أو موقف، وفي الوقت نفسه لا أتخلى عن حقي في استكناه أعماق الشخصيات وبث الحياة الدرامية فيها، ومحاولة «إحضارها» من غياهب الماضي الملحمي لكي تتحرك فوق «خشبة» الواقع. واكتشفت بعد إتمام العمل أنني أسرفت في استغلال هذا الحق الذي تهيبت منه في البداية؛ إذ سمحت لنفسي في اللوحة الأولى بتقديم جلجاميش إلى المحاكمة، وإضافة فاصل يتم فيه الحوار بينه وبين جوقة الشيوخ التي تحذره من مغبة السفر والتغيب عن وطنه وأهله. أضف إلى ذلك أنني تصرفت في النهاية التي تركها المؤلف الأصلي مفتوحة وغير شافية ولا مقنعة. وافترضت أن تنتهي الملحمة نهايتين محتملتين؛ فإما أن يرجع البطل اليائس البائس إلى أوروك صفر اليدين من نبتة الخلود، فيجد مدينته خرابا ويتضاعف يأسه واغترابه؛ وإما أن يعود وقد «تطهر» من أحلامه المستحيلة تطهره من بطشه واستبداده، فيضع يده في يد شعبه، ويشارك في البناء الحضاري الذي يتيح له نوعا من الخلود البديل عن ذلك الخلود الوهمي الذي اقتنع أخيرا باستحالته. وغلب عندي هذا الفرض الأخير أن كاتب الملحمة قد أشاد بسور المدينة الشهير في بداية الملحمة ونهايتها، ولم يستطع أن يخفي فرحة جلجاميش وهو ينادي على الملاح أورشنابي، ويدعوه أن يفحص بناء السور ويتلمس إفريزه وآجره وأعتابه. ولم يكن ذلك كله مجرد مصادفة؛ لأنه يشير إشارة واضحة إلى الحقيقة التي يشهد عليها تاريخ الإنسان، وهو أن العمل والبناء الحضاري هو سلاحه الوحيد في مقاومة الفناء ومواجهة الموت المحتوم.
وتبقى أمور عديدة في هذه «القراءة» أو «المعالجة الدرامية» أو «الاستلهام» لنص قديم حاولت أن أجعله معاصرا، وتحيرت كثيرا في توصيفه (فلا هو مسرحية ملحمية على غرار مسرحيات سابقة جربت كتابتها، ولا هو ملحمة درامية لأن التعبير يحمل تناقضه في ذاته)، وأكتفي بالإشارة إلى هذه الأمور التي لا يتسع المجال لمناقشتها بالتفصيل، تاركا الحكم على العمل للقارئ الذي سيقرؤه ويفسره ويعيد خلقه على طريقته؛ فالأزمنة تتداخل فيه بحيث نعيش في زمن الملحمة نفسها بأحداثها ومواقفها، وبحيث يستطيع القارئ أن يتعرف عليها وإن لم يسبق له الاطلاع على إحدى ترجماتها، كما نعيش في زمن شيوخ أوروك الذي هو في الحقيقة «لا زمن الجوقة» المعبر عن صوت الضمير الجمعي وراء كل زمن أو مكان محدد، ثم في زمن الراوية الذي ينطق بصوت الحاضر ويطرح أسئلته، ويقدم العمل كله على هيئة «أمثولة» يمكن أن نتعلم منها. وهناك تحولات جلجاميش من الأنا إلى النحن، ومن التسلط إلى التطهر، ومن الذعر من الموت إلى الإيمان بقانون اللحظة الراهنة؛ لحظة الوعي الحر والعمل الخلاق من أجل الآخرين؛ ومن ثم تصبح جلجاميش على نحو من الأنحاء لونا من ألوان «الرواية التربوية» أو التعليمية التي تتتبع تطور البطل في معرفته بنفسه وبالعالم والمجتمع، وتحوله من الحلم المستحيل إلى واقع المشكلات التي تؤرق الناس في حياتهم «هنا والآن». وتأتي بعد ذلك الشخصيات التي تعاطفت معها، وحاولت أن أعمق خطوطها وظلالها وملامحها: كاهنة الحب «شمخات»، وحبها الصامت الحزين لإنكيدو الذي حولته من وحش البرية إلى إنسان، ثم حول موته وحش أوروك المستبد إلى إنسان. وأورشنابي الملاح الخفيف الظل الذي يحيا الخلود على طريقته العدمية في اللحظة العابرة. وسيدوري الأبيقورية البابلية التي حبست بحار الأبدية والأزلية بين جدران كأسها المتلألئة الصافية. وعشتار العاشقة المتفانية والمنتقمة الباكية التي تصب لعناتها فوق أوروك وكل المدن التي أنكرت الحب، فحق عليها القحط والجدب والجفاف. إلى آخر الشخصيات والمواقف والصور والأصوات التي أترك لك الحكم لها أو عليها، راجيا في النهاية أن تدخل عالم جلجاميش، وتشارك في محاكمته والحوار معه والحكم له أو عليه.
الشخصيات
جلجاميش:
الملك الخامس على أوروك .
إنكيدو:
وحش البرية وصديقه.
نينسون:
أمه الحكيمة.
شمخات:
Bog aan la aqoon