من نثره إلى شعره، ومطبوعه إلى مصنوعه، ومحاورته إلى مفاخرته، ومناقلته إلى مساجلته، وخطابه المبهت إلى جوابه المسكت، وتشبيهاته المصيبة إلى اختراعاته الغريبة، وأوصافه الباهرة إلى أمثاله السائرة، وجده المعجب إلى هزله المطرب»، ويقر المؤلف بأن ليس له في هذا إلا حسن الاختيار: «وليس لي في تأليفه من الافتخار، أكثر من حسن الاختيار، واختيار المرء قطعة من عقله، تدل على تخلفه أو فضله» [١] .
ومن هذه الكتب التي يدل اسمها على محتواها، كتاب: (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء) للراغب حسين بن محمد الأصفهاني (ت ٥٠٢ هـ)، وقد جمع فيه من العلوم والمعارف الإنسانية حشدا كبيرا، من ذلك: العلم، والعقل، والجهل، والأخلاق، والأبوة، والبنوة، والمدح، والذم، والهمم، والجهد، والصناعات، والمكاسب، والغنى، والفقر، والاستعطاء، والأطعمة، والشرب، والإخوانيات، والغزل، والزواج، والمجون، وخلق الناس، والملابس، والطيب، والديانات، والموت، والسماء والأزمنة والأمكنة والحيوانات، وغير ذلك، ويتناول هذه الموضوعات بأسلوب أدبي يذكر ما قيل في كل فكرة من آيات وأحاديث وشعر ومثل وحكاية وطرفة ونادرة، مع استطرادات وانتقالات من موضوع إلى آخر.
ومن هذا الضرب من التأليف كتاب: (المستطرف من كل فن مستظرف) لشهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي المحلي (ت ٨٥٠ هـ)، واسم الكتاب ينبىء عن مضمونه، فهو يحوي كل ظريف من الفنون والمعارف، فتجد فيه التمثل بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويسوق الأخبار التاريخية، مع سرد اللطائف، والحكايات. والنوادر، والطرف، والحكايات، والمختارات الشعرية والنثرية، والأمثال، وما إلى ذلك.
والأبشيهي يشير إلى من سبقه من المؤلفين في هذا الضرب، والكتب التي نقل عنها ونسج على منوالها، وأهمها العقد الفريد لابن عبد ربه، وربيع الأبرار للزمخشري، ويبين طريقته ومحتوى كتابه فيقول: «أما بعد فقد رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة، من الآداب والمواعظ والحكم، وبسطوا مجلدات في النوادر والأخبار والحكايات، واللطائف، ورقائق الشعر، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة، وتفرد كل منها بفرائد وفوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة» .
ويبين طبيعة الكتاب ومن أفاد منهم ممن سبقوه: «فاستخرت الله تعالى، وجمعت من مجموعها هذا المجموع اللطيف، وجعلته مشتملا على كل فن ظريف، وسميته (المستطرف في كل فن مستظرف)، واستدللت فيه بآيات كثيرة من القرآن العظيم،
_________
[١] زهر الآداب ١/٣٣- ٣٦ تحقيق زكي مبارك ومحمد محيي الدين عبد الحميد، ط القاهرة ١٩٢٩.
1 / 20