الحثّ على نصيحة مستشيرك
قال ابن عباس ﵄: إن الرجل لا يزال يزاد في صحة رأيه ما نصح مستشيره، فإذا غشّ مستشيره سلبه الله صحّة رأيه.
ولمّا أصاب زيادا الطاعون في يده أحضر له الأطباء فدعا شريحا فقال له: لا صبر لي على شدّته وقد رأيت أن أقطعها فقال شريح: أتستشيرني في ذلك؟ قال: نعم، فقال: لا تقطعها فالرزق مقسوم والأجل معلوم وأنا أكره أن تقدم على ربّك مقطوع اليد، فإذا قال لك: لم قطعتها؟ قلت: بغضا للقائك وفرارا من قضائك. فمات زياد من يومه. فقال:
الناس لشريح: لم نهيته عن قطعها؟ فقال: استشارني والمستشار مؤتمن ولولا الأمانة لوددت أن أقطع يده يوما ورجله يوما.
وقال يحيى: لا تشيرنّ على عدوّك وصديقك إلا بالنصيحة، فالصديق يقضي بذلك حقّه، والعدوّ يهابك إذا رأى صواب رأيك.
من يجب أن يشار عليه إذا استشار
قيل: لا تشر على مستبدّ ولا على وغد «١»، ولا على لحوح «٢»، ولا معجب، ولا على متلّون، وخف الله في موافقة المستشير، فالتماس موافقته لؤم وسوء الاستماع منه خيانة.
وقيل: من طلب الرخص من الإخوان عند المشاورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن الفقهاء عند الشبه، فقد خدع نفسه.
من ضرب لمستشيره مثلا صمم في مشورته
شاور المنصور سلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم صاحب الدولة فقال: لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا فقال عيشك، واستشار فيه آخر فقال: ولن يجمع السيفان ويحك في غمد.
واستشار معاوية الأحنف في بيعة يزيد فقال الأحنف: أنت أعلم بليله ونهاره وسرّه وإجهاره، فإن كنت تعلمه لله رضا وللأمة صلاحا، فلا تشاور فيه أحدا. وإن كنت تعلم غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، وإنما علينا أن نقول سمعنا وأطعنا.
الممدوح بأنّه مستشار
وقالت امرأة من أياد:
المستشار لأمر القوم يجزئهم ... إذ الهنات أهمّ القوم ما فيها
وقال أبو تمّام:
يطول استشارات التجارب رأيه ... إذا ما ذوو الرأي استشاروا التجاربا
1 / 46