ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وإني لعبد الضيف ما دام نازلًا ... وما شيمة لي غيرها تشبه العبداد
ونحوه قول عروة بن الورد:
أيا بنت عبد الله وابنة مالك ... ويا بنت ذي البردين والفرس الورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخًا طارقًا أو جار بيت فإنني ... أخاف مذمات الأحاديث من بعدي
وكيف يسيغ المرء زادًا وجارُهُ ... خفيف المِعى بادي الخصاصة والجهد
وللمَوْتُ خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويًا ... وما فيَّ إلاّ تلك من شيمة العبد
وقول الآخر:
لعمر أبيك الخير إني لخادم ... لضيفي، وإني إن ركبت لفارس
لله الأمر من قبل ومن بعد
أصناف الناس
قال معاوية ﵁ يومًا لصعصعة بن صوحان وكان من البلغاء: صف لي الناس. فقال: خلق الناس أخيافًا، فطائفة للعبادة، وطائفة للتجارة، وطائفة خطباء، وطائفة للبأس والنجدة، ورجرجة فيما بين ذلك، يكدرون الماء، ويُغلُون السِّعر ويضيقون الطريق. وقال الآخر في نحو هذا:
الناس هم ثلاثة ... فواحد ذو درقه
وذو علوم دارس ... كتبه وَوَرَقَه
ومنفق في واجب ... ذهبَه وَوَرِقه
ومن سواهم همج ... لا وَدَكٌ لا مرقه
وفي كلام مولانا علي كرم الله وجهه لكميل بن زياد: الناس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع، أتباع كا ناعق.
" وقال الآخر:
ما الناس إلاّ العارفون بربهم ... وسواهم متطفل في الناس "
وهذا المعنى له تفصيل وتحقيق، والاشتغال به يطيل، ويكفي اللبيب فيه ما مرّ عند ذكر الحسب وتفصيل المزايا في الناس.
لله الأمر من قبل ومن بعد
أصناف بقاع الأرض
كان شيخنا الأستاذ المشارك الفاضل الناسك أبو بكر بن الحسن التطافي ينشدنا كثيرًا في التنويه بالعلم قول القائل:
وما عرَّف الأرجاء إلاّ رجالها ... وإلاّ فلا فضلٌ لتُرْب على تُرْبِ
والمعنى أن القطر من الأرض وكذا المدينة والقرية تعرف وتشرف بنسبة المعروف إليها كأبي عثمان المغربي وابن عامر الشامي والحسن البصري وأبي الحسن الحرالي وغيرهم.
واعلم أن بقاع الأرض كأفراد الإنسان، هي كلها مشتركة في كونها أرضًا وتربة، ثم تتفاوت في المزايا الاختصاصية، إما من ذاتها بأن يجعلها الله منبتًا للعشب، وهي أفضل من السبخة أو مزرعة، وهي أفضل من الكنود أو سهلة، وهي أفضل من الحزن، وقد ينعكس الأمر، أو معدنًا، وتتفاوت بحسب الجواهر المودعة فيها، أو منبعًا للماء، وتتفاوت بحسب المياه، إلى غير ذلك من مختلفات الفواكه والأشجار والأزهار وسائر المنافع، وأما من عارض، كأن يختصها الله تعالى بكونها محلًا لخير إما نبوءة بيته بمكة، فهي أشرف البقاع ما خلا المدينة من ثلاثة أوجه: الأول كونها محلًا لبيته، وقبلة لعباده، والثاني كونها عمارة خليله إبراهيم ﵇، الثالث كونها مولد ومبعث أشرف الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، إلى وجوه أخرى ككونها وسط الأرض أو أرفع الأرض أو من تحتها دحيت الأرض، وكونها حرامًا وغير ذلك ولبيت المقدس قسط من هذا الفضل لأنها مأوى الأنبياء، وكانت قبله، واختصت المدينة طيبة بكونها مهاجر أشرف الخلق ومدفنه مع أكابر أصحابه ﵃ فصارت خير البقاع حتى مكة عند علمائنا أما التربة التي تضمنت شخصه الكريم ﷺ فلا مثل لها في الأرض ولا في السماء قطعًا.
1 / 25