معنا تعليل النفس، ببعض الأنس، فإن النفس ترتاح للأحماض وتستشفي بروحه من الإمضاض ولا سيما مثلي ممن ترامت به الأقطار وتباعدت عنه الأوطان والأوطار وقلت في ذلك:
سلا هل سلا عن أهله قلب معْنيِّ ... بريب الهوى والبين عن جيرة الحيِّ
وهل ذلك الوجد الذي قد حشا الحشا ... مقيم على أديانه غير مكفيِّ
وهل قلبه يوم النوى متقلب ... تقلب مفؤود اللظى ساعة الشيِّ
وهل ينوي الأحباب مشفٍ على التوى ... وليس بوصل من حبيب بمشفيِّ
وهل أعشبت تلك الشعاب وأمرعت ... فجاج مراعيها بعهد ووسميِّ
وهل أُقْحُوانُ الجزع فاح ونده ... بعرف تهاداه الشمائل مسْكيِّ
وهل تالك الأزهار تهتز نضرة ... بكل جميل في الخميلة مَوْليِّ
وكل مُجودٍ في النجود تناوحت ... عليه الرياح من جنوبي وشرقيِّ
إذا ما السحاب الغر عاطينها الحيا ... تمايلن نشوى من مدام شباميِّ
وإن صافحتها بعد وهنٍ يد الصبا ... تنمت بأذكى من عبير وألويّ ِ
فما شئت فيها من يواقيت تجتلي ... ومن كوكب يعشي النوال درّيّ
ومن بسط تزري ابتهاجًا بمفرش ... أعدت بنو ساسان للبسط بَوْشيّ
وهل لسليمى من ثواء بدارها ... سقى الله تلك الدار أطيب ما رِيِّ
وحيا محياها الوسيم وإن لوت ... غريمًا تقاضى وصلها طول ما لي
وحيا زمانًا للوصل بيننا ... تباشير كالصبح المنير على رَيِّ
زمان ديار الحي دانٍ مزارها ... ونحن على عهد من الودّ مرعيِّ
نعمنا بإيناس البروق من الحمى ... أنيسًا وإن لم نحظ منه بإنسيِّ
ونسمة أرواح الصبا وهبوبها ... علينا نمومًا من صباها بمطويِّ
وتنشاق آبالأجارع تعتلي ... بنفحته للمستهامين عطريِّ
وكنّا على أنّا كأنّا بوصلها ... نغادي بكأس مطمئنين خمري
ونرتع في روض المنى وننال ما ... نشاء ولا نرتاع من بين مَهْوِيِّ
وعشنا زمانًا لا نعاني صبابة ... ولا نتباكى من سليمى ولا ميِّ
ولا نتشكّى من صدود ولا صدى ... ولا وجد مفؤود الجوانح مَبْريِّ
ليالي كان الشمل منضبط الكلى ... وحبل التوالي مُحصَدٌ غيرُ مَفريِّ
فلم تلبث الأقدار أن مددت بنا ... عنانًا إلى شط النوى غير مَثْنيِّ
فحالت موّامٍ دونها ذات منزع ... ودَيْنُ التداني قد غدا غير مقضيِّ
وكان الذي خفنا يكون من النوى ... وصرنا لأمر مُذْ أحايين مَخْشيِّ
على أن فضل الله ما انفك هامرًا ... علينا ولطف دائم غير مَزْوِيّ
فلا تغترر بالدهر يلقاك بشره ... فإن وراء البشر طعن الرُّدَيْنيِّ
ولا تأمنن من هوله إن ريحه ... تهب إذا هبَّت عصوفًا بلُجِّيِّ
ولا تغتبط من حظه بمنول ... ولو تاج ملْكٍ فوق أشمخ كرسيِّ
فما حالة منه تدوم على امرئ ... ولو خال جهلًا أنه غير مَدْهيِّ
وما هو إلاّ مثل دولابَ زارع ... فعُلويّه يعتاض حتمًا بسُفْليّ
فكم أنْزلتْ نَسْرَ السماء صروفُه ... وحلّت ببنت الماء دارة علْويّ
وكم ضعضعت ملكًا وأفنت ممالكًا ... وكم عاد عاني ريبها غير مَفديّ
وكم زَيّلت بين المحبين فاغتدى ... دم الصب من فتك الهوى غير موّديّ
قضاء من المولى له كل ساعة ... تَصرّفُ مختار وإنجازُ مَقضيّ
فأعْلقْ به أشطانَ قلبك واعتمد ... عليه تنل رشدًا وتنج من الغيّ
وقَف أبدًا في بابه متأدبًا ... منيبًا بسعي عِند مولاكِ مرضيّ
قنوعًا رَضُوًَا بالقضاء مسلمًا ... بقلب على التوحيد والصدق محني
فذاك الذي يرقى به لمنازل ... بها كل صديق حوى الفضل رِبّيّ
وإن كنت لم تسعدك في ذلك القُوى ... فزاحم بمسْطاع مع الحب والزِّيِّ
فإن جليس القوم ما إن يناله ... شقاء ومن عن حبهم غير مرميِّ
ومن قد حكاهم فهو متهم وكل ذا ... أتى في حديث عن ذوي الصدق مرويِّ
وكل امرئ يومًا سيجزى بما أتى ... من الخير بل يجزى على كل مَنْويِّ
لله الأمر من قبل ومن بعد
فوائد تسمية المؤلف
1 / 2