أما أبو علي، وهو كنية الحسن المشهورة، فكناني بها شيخ الإسلام الإمام الهمام أستاذنا وقدوتنا أبو عبد الله سيدي محمد بن ناصر الدرعي ﵁ وعنا به.
وكنت وردت عليه في أعوام الستين والألف بقصد أخذ العلم، فامتدحته بقصيدة قدمتها بين يدي نجواني، فانبسط إليّ بحمد الله، وافتتحنا بكتاب التسهيل فلما قرأنا الخطبة دخل مسرورًا فكتب إليّ:
أبا علي جزيت الخير والنعما ... ونلت كل المنى من ربنا قسما
يا مرحبًا بك كل الرحب لا برحت ... قرائح الفكر منك تجني حكما
ولم أزل بحمد الله أتعرف بركة دعائه وإقبال قلبه إلى الآن، نسأل الله تعالى أن لا يزايلنا فضله ورحمته حتى نلقاه آمين.
وقال ابن عمنا الفاضل البارع أبو سعيد عثمان بن علي اليوسي ﵀ من أبيات:
نمسي عشية قيل مرّ أبو علي ... مثل الرياح إذا تمرّ بأَثْأَبِ
ولم يزل الشيخ ﵁ يأمرني بذلك إلى أن توفاه الله في رسائله ومخاطبته وعند ذكري.
وأما البواقي فكناني بها فضلاء من الإخوان في رسائلهم: ونحوت في ذلك منحى السيد خير النساج وكان اسمه محمد بن إسماعيل، فلما وقعت عليه المحنة وألقي عليه شُبه خير مملوك لرجل نساج فقبض عليه وأدخله ينسج ويخاطبه بهذا الاسم، فلما كشفت عنه المحنة وخرج ترك هذا لاسم على نفسه، فقيل له: ألا ترجع إلى اسمك؟ فقال: ما كنت لأغير أو لأترك اسمًا سماني به رجل مسلم.
واعلم أن لهذا السيد في التزام هذا الاسم المذكور أوجهًا منها: أنه تسليم لأنه شاهد فعل الله تعالى، فلما ألقى الله تعالى عليه الاسم لم يبق له اختيار في التعرض له.
ومنها: أنه يستشعر من مولاه تعالى أنه أدبه بجعله عبدًا مملوكًا وتسميته باسمه، وضربة المحبوب تستلذ. ومنها: أنه يتذكر العبودية وذلتها، وهذه الطائفة قد صارت الذلة شرابهم ونعيمهم.
ومنها: أنه يذكر به العقوبة فيذكر الهفوة ليتحرر منها.
ومنها: أنه يبقى عليه الاسم ليبقى عليه ذكر الهفوة والعقوبة هضمًا لنفسه وإرغامًا لها.
ومنها: التفاؤل بهذا اللفظ فإنه على أصله، وهو ضد الشر، وعلى أنه مخفف من التشديد فهو ذو الخير، وكيف أترك أنا كنية كناني به رجل من أفاضل المسلمين ولا سيما إن تضمنت معنى حسنًا.
لله الأمر من قبل ومن بعد
رؤيا والد المؤلف ودعوة أستاذه
ولما كان القصد في هذا الموضوع إلى ذكر المحاضرات بنوادر الفوائد مما اتفق لي خصوصًا أو لغيري عمومًا وجب أن ينخرط في سلك ذلك ما وقع في شأني حال الولادة لأنه أول الرحلة إلى هذه الدار مع ما انضاف إليه مما يكون له مصداقًا أو يرجى خيره ويذكر على وجه التبرك والتفاؤل أو التحدث بالنعم، وفيه مسرة المحب ومساءة البغيض فأقول: إني أرجو أن أكون إن شاء الله تعالى رؤيا والدي ودعوة أستاذي؛ أما رؤيا الوالد فاعلم أن أبي مع كونه رجلًا أميًا كان رجلًا متدينًا مخالطًا لأهل الخير محبًا للصالحين زَوّارًا لهم، وكان أُعْطِيَ الرؤيا الصادقة وأعطي عبارتَها، فيرى الرؤيا ويعبرها لنفسه، فتجيء كَفَلَقِ الصبح، وكان مما رأى وتواتر الحديث به عنه في العشيرة ﵀ أن قال: رأيت عينيْ ماء إحداهما لي، والآخر لعلي بن عثمان، وهو والد ابن عمنا الأديب البارع أبي سعيد عثمان بن علي ﵀، غير أن عين علي كنا نسقي بها في بلدنا وعيني خرجت إلى ناحية أخرى.
وزعموا أنه قال: وكانت العين التي هي لي أقوى ماء وأكثر فيضًا ثم فسر ذلك بمولودين ينتفع بهما.
1 / 18