Mughamarat Caql Ula
مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين
Noocyada
فقد قام أحد الأبطال من البشر بسرقة النار السماوية والفرار بها إلى الأرض، بعد أن قضى على العملاق حارس النار وسلبه الشعلة المقدسة وحملها إلى قومه. ولكنه لجدة عهده بها يسقطها من يده، فينسكب لهيبها ويطغى على الأرض. يرفع الرجل صلاته مستنجدا بإله المطر الذي يحاول إطفاء النار ولكن عبثا. ثم يلجأ لإله العواصف والأعاصير فلا يستطيع حيال النار شيئا، فتتابع التهامها للأرض والبحر على السواء. إلى أن يجتمع الآلهة فيسلطوا فيضاناتهم التي تغمر العالم وتطفئ النار. تذكرنا هذه الأسطورة بقصة بروميثيوس اليوناني، الذي سرق النار الإلهية من السماء، وما تبع ذلك من كوارث حلت بالبشر.
ولدى هنود كاليفورنيا أسطورة مماثلة؛ حيث يقوم أحد الأبطال بسرقة النار من السماء، ولكنها تقع من يده وتحرق العالم. وتتناقل قبائل البرازيل حكاية طوفان عظيم، وكذلك قبائل غينيا البريطانية، وأمريكا الوسطى الشمالية ، وبعض القبائل الأوروبية قبل اعتناقها المسيحية. وفي أسطورة هندية أن فيضانا غمر العالم ولم ينج منه سوى رجل وامرأة كانا على أعلى قمة. وبعد انحسار الفيضان جعلا يرتجفان من البرد، فعطف عليهما أهل القمر وأرسلوا لهما نارا ليتدفآ.
4
إن شيوع أساطير الطوفان والدمار الشامل في جميع أنحاء العالم يثير مسائل شتى تتعلق بتفسير هذا النوع من الأساطير وبواعث نشأتها. فهل تنقل لنا هذه الروايات المرعبة أحداثا تاريخية وقعت في أزمان سحيقة قبل التاريخ المكتوب، وترسخت في ذاكرة البشر؟ إن هذا التفسير رغم جاذبيته لا تؤكده الدراسات الجيولوجية والأركيولوجية حتى الآن. أم هل تشف هذه الأساطير عن حقائق نفسية ونوازع خافية باطنة؟ هل هي طغيان النزعات التدميرية الكامنة في لا شعور البشر ورغبة لا واعية في تدمير الذات؟ هل هي إحساس عارم بالإحباط من حضارة تسير دوما في اتجاه مخالف لسعادة الإنسان، حضارة يجب تدميرها كلما أحكمت حلقاتها وضيقت خناقها على صانعيها؟
الفصل الأول
الطوفان السومري
تؤسس الأسطورة السومرية لأقاصيص الطوفان التي شاعت في المنطقة، كما أسست من قبل أقاصيص التكوين؛ فنص الطوفان، الذي تم العثور عليه في خرائب مدينة نفر السومرية، يقدم لنا الخطوط العريضة لكل أساطير الطوفان اللاحقة في بابل وسوريا وبلاد الإغريق، وفي كتاب التوراة. وذلك رغم الحالة السيئة التي وجد عليها اللوح الفخاري الحاوي على الأسطورة، ورغم تشوه النص ونقصه في معظم مواضعه. وتتلخص الخطوط العريضة للأسطورة في ثلاث نقاط تتكرر كلها، مع بعض التنويعات، في بقية الأساطير اللاحقة: (1)
قرار إلهي بدمار الأرض بواسطة طوفان شامل. (2)
اختيار واحد من البشر لإنقاذ مجموعة صغيرة من البشر وعدد محدود من الحيوانات. (3)
انتهاء الطوفان واستمرار الحياة من جديد بواسطة من نجا من الإنسان والحيوان.
Bog aan la aqoon