325

فقلنا إن الشيئين وإن تمازجا وأفسد أحدهما ذات الآخر عند الامتزاج فإنه يوجد فيهما كيفية كل واحد منهما عند امتزاجهما على نحو ما يوجد ذلك فيهما على الانفراد وذلك لأن الماء والخمر الممتزجين إذا شربهما إنسان فإنه يسكره الخمر بطبيعته الحارة وبخاصيته والماء الممازج له يرطب البدن وقد يوجد مثل ذلك في العقاقير المختلطة بعضها ببعض أيضا كالترياق فإنه يحل القولنج لما فيه من الأدوية الحارة المحللة ويمسك الاختلاف لما فيه من الأدوية المخدرة الممسكة وقلنا أيضا إن ممازجة الأجسام بعضها بعضا إنما يكون لهذه الأجسام السفلية السيالة لأنهما إذا اجتمعا وتمازجا أفسد أحدهما الآخر فبطل ذات كل واحد منهما وحدث منهما شيء ثالث غيرهما فأما الأجرام العلوية فإنها خلاف ذلك لأنهما إذا اقترنا لا يتمازجان بذاتهما ولا يفسد أحدهما الآخربل هما في أجرامهما وطبيعتهما على حالهما وإنما تتمازج كيفياتهما عند محاذاة أحدهما الآخر وتحركهما على سمت واحد فلبقائهما بطبائعهما على حالهما يظهر دلالة كل واحد منهما عند المقارنة كما يظهر عند الانفراد ولممازجة كيفياتهما وتحركهما على سمتنا يحدث لهما شيء ثالث من الدلالة وعلى قدر قرب أحدهما من الآخر أو بعده عنه ومكانهما من طبيعة برجهما وحالهما من بيوت الفلك ونظر الكواكب إليهما يحدث في كل وقت من دلالة مقارنتهما في هذا العالم أشياء كثيرة مختلفة خلاف ما يحدث في الوقت الآخر وكلما كانت الكواكب التي تتقارن أكثر عددا كان ما ينفعل عنها من الأشياء أكثر وقد بينت الأوائل دلالات مقارنة الكواكب بعضها لبعض في كتبهم

وللكواكب عند مقارنة بعضها لبعض حالان أحدهما ممازجة كيفيات بعضها لبعض والثاني قوة بعضها على بعض فأما ممازجتها بكيفياتها فإنها تكون بما ينسب إلى طبائعها من الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وإنما تعرف هذه بخمسة أشياء أولها بخاصية طبائعها والثاني بصعودها أو هبوطها في فلك الأوج والثالث بمكانها من طبيعة برجها والرابع بحالها من الشمس والخامس بحالها من أرباع الفلك وقد ذكرنا ذلك في القول الرابع من كتابنا هذا وفي غيره من المواضع وأما قوتها عند المقارنة فإنما يكون بحالات كل واحد منهما من فلك الأوج والفلك المائل عند صعوده أو هبوطه فيهما لأن الأقرب منهما إلى ذروة فلك أوجه هو الأقوى على الأبعد منه من الذروة والشمالي الصاعد الكثير العرض أقوى من الشمالي الصاعد الذي هو أقل عرضا منه والشمالي الصاعد أقوى من الشمالي الهابط والشمالي أقوى من الجنوبي والجنوبي الصاعد أقوى من الجنوبي الهابط والجنوبي الأقل عرضا أقوى من الجنوبي الأكثر عرضا وهذه القوة والضعف إنما هي للكواكب السبعة بعضها على بعض فأما إذا قارن أحدهما بعض الكواكب الثابتة أو بعض السحابيات أو السهام أو سائر ما ذكرنا قبل فإنما ينظر إلى حال ذلك الكوكب الذي من السبعة في نفسه وقوته أو ضعفه وما يدل عليه بمقارنته لذلك الشيء لأن الكواكب الثابتة والسهام وسائر ما ذكرنا ليس لها فلك أوج ولا فلك مائل

Bogga 746