فأما السودان والحبش فإنهم يسكنون في البلاد التي تحاذيها من البروج ما بين مدار الحمل إلى السرطان فلأن الشمس في صعودها وهبوطها إذا كانت في تلك البروج وتوسطت السماء تكون على سمت رؤوسهم فتسخن أهو يتهم وتحرقهم وتكثر الحرارة واليبس فيهم فلهذه العلة صارت ألوانهم سوداء وشعورهم قططة وأبدانهم يابسة نحيفة وطبائعهم حارة وكذلك يكون دوابهم وأشجارهم ومن أخلاق أهل هذه الناحية الخفة وقلة الذكاء وأما القوم الذين هم متباعدون عن مدار رأس السرطان إلى الشمال وذلك مثل بابل ونحوه من البلدان فلأن الشمس لا تبعد من سمت رؤوسهم ولا تقرب منهم ولكن ممرها يعتدل عليهم فإن هوائهم حسن المزاج وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد ولا برد شديد وألوانهم وأبدانهم وطبائعهم معتدلة وعقولهم وأخلاقهم حسنة وكثر فيهم العلم والذكاء وتقدمة المعرفة بالأشياء ومحاسن الأخلاق وهذه أرض العلماء والنبيين
والاختلاف فيما بين كل موضع من هذه المواضع التي ذكرناها بالأجسام والصور والألوان والعلوم والعقول والأخلاق متبا ين متباعد الشبه لاختلاف مواضعهم من مدار الشمس ولاختلاف أزمان السنة وتغييرها عليهم وكما اختلفت هذه المواضع التي ذكرناها وصار لكل موضع منها خاصية ليست لغيرها فكذلك كل مدينة من المدن وكل موضع من المواضع التي لم نذكرها لها ولأهلها خاصية وطبيعة في اختلاف صور الناس وما يكون فيها من الحيوان والنبات والمعادن والحر والبرد والمياه والعيون والملل والسنن والزي والأخلاق وسائر الأشياء ليس لغيرها من المدن وذلك موجود ظاهر في المواضع والأمصار حتى أنه ليوجد الاختلاف في المواضع القريبة بعضها من بعض وإنما يكون ذلك على قدر قرب الشمس أو بعدها عنهم في مدارها ومن مدار الكواكب الثابتة على سمت رؤوسهم إلا أن هذه الخاصيات الموجودة التي ذكرنا إنها لكل مدينة وموضع في شيء من الأشياء فإنها وإن كانت دائمة الوجود بجواهرها فإنا قد نجدها تتغير في كل سنة إلى الزيادة والنقصان فعلمنا أن ذلك التغيير ليس من خاصية مدار الشمس ولا من مسامتة الكواكب الثابتة لتلك المواضع ولكنه من مقارنة الشمس في مسيرها للكواكب الثابتة والمتحيرة ومن ممازجة الكواكب المتحيرة في انتقالها في البروج للكواكب الثابتة المسامتة لتلك المواضع
Bogga 254