وثيقة التنازل
لم يكن في هذا الاتفاق أية مساومة، وقد قبل الخديو عباس التنازل عن العرش بدافع الوطنية، والحب لعمه ولأسرته التي خدمها 23 عاما، ورضي عن طيب خاطر أن يتخلى عن حقه بدون قيد ولا شرط؛ لأن الجالس على العرش هو أكبر أنجال محمد علي باشا الكبير، كما أنه أكبر أنجال الخديو إسماعيل، ولم تدفع الحكومة المصرية تعويضا، ولكن رؤي أن تصان كرامة الخديو في أوروبا وكرامة البلاد التي كان يتولى عرشها، فتقرر أن تدفع الحكومة له سنويا مبلغ ثلاثين ألف جنيه لا تنسحب على الماضي، ولا يصرف منها شيء لأحد من ورثته بعد الوفاة، ولم يكن هذا ثمنا للتنازل، ولا امتيازا على غيره من ذوي العروش المخلوعة، أما وثيقة التنازل، فهذا نصها:
إني موقن بأني خدمت بلادي بأمانة وإخلاص، وأني كرست لها مدى ثلاث وعشرين سنة - بالرغم من دقة الظروف - كل قواي وخير أيام حياتي.
وقد تتبعت عن كثب ما أحرزته البلاد، وما لا زالت تحرزه من أسباب التقدم في جميع النواحي.
وإني مغتبط بما أراه من خطاها الثابتة في سبيل توثيق استقلالها، والتوفيق بين نظامها السياسي، وبين حاجاتها وأمانيها.
ورغبة مني في تحديد موقفي حيال نظام مصر السياسي، وتأكيد إخلاصي نحو ذات ملكها المعظم، فإني أعلن اتباعي للدستور المقرر بالأمر الملكي رقم 70 لسنة 1930، وأصرح بأني سأتوخى في جميع الظروف خطة مطابقة للنظام المقرر لقوانين البلاد.
وعلى وجه الخصوص أعلن احترامي للأمر الملكي الصادر في 13 أبريل سنة 1922، بوضع نظام لتوارث عرش المملكة المصرية، والقانون نمرة 28 سنة 1922 الخاص بإقرار تصفية أملاكي، وهما جزءان لا يتجزءان من الدستور المصري، وقانون التضمينات نمرة 25 سنة 1923، وأعلن اتباعي لها جميعا.
ولما كنت أقر لحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول بن إسماعيل بأنه ملك مصر الشرعي، فإني أعلن بهذا تنازلي عن كل دعوى على عرش مصر، كما أعلن تنازلي عن كل مطالبة ناشئة عن أني كنت خديويا لمصر أيا كان وجهها، سواء عن الماضي أم عن المستقبل.
ومع تأكيد ولائي المطلق الدائم لجلالة الملك فؤاد الأول أعرب لجلالته عن صادق إخلاصي، وأتوجه إلى الله بصالح الدعوات ليحوط جلالته والأمير فاروق ولي عهد المملكة بعين عنايته، ليزيد في إسعاد مصر في حاضرها ومستقبلها.
وقد رفعت هذه الوثيقة إلى جلالة الملك فؤاد بعد عودة مندوبي الحكومة من سويسرا، مع خطاب شخصي من الخديو إلى جلالته، فسر جلالته بهذه النتيجة، وأراد أن يعرب عن تقديره لشخصي الضعيف بالإنعام على المرحومة السيدة حرمي بالوشاح الأكبر من نيشان الكمال، ولما ذهبت لرفع آيات الشكر لهذا الإنعام السامي، وعلم بوجودها في الحرملك انتقل - رحمه الله - إليها، وقال لها: «إن زوجك قد حاز كل أوسمة الدولة، وقد فكرت أن أقدم لك وسام الكمال ليكون المكافأة، التي أستطيع أن أقدمها إليه في شخصك .»
Bog aan la aqoon