والأمثل في هذا الشأن أن يكون العدد ثابتا، بحيث لا تعرض له الزيادة كلما زاد عدد الأهالي بحسب ما يثبته الإحصاء كل عشر سنوات، إذ زيادة عدد الأعضاء على وجه الاطراد تسبب الارتباك في العمل، وليست في ذلك ضرورة إذا روعي بقدر الإمكان في توزيع عدد الأعضاء على دوائر الانتخاب، تساويها في عدد السكان.
وبما أن ازدياد عدد السكان يحصل على وجه العموم بنسبة واحدة في كل دائرة، فالتمثيل يظل بذلك عادلا لاطراد التساوي فيه.
على أن المألوف أيضا في أغلب البلاد الدستورية كإنجلترا، وفرنسا، والولايات المتحدة، أن للنواب عددا ثابتا يوزع على أقسامها الإدارية لا يتغير بتغير عدد السكان، بل لقد عرف عن بعضها تفاوت ظاهر بين الدوائر المختلفة، من حيث ذلك العدد - وهذا التفاوت الذي كثيرا ما يكون نتيجة العمران اللازم عن رقي الصناعة، واتساع نطاقها، هو وحده الذي يدعو إلى إعادة النظر في التوزيع بين فترات طويلة.
ولهذا رأيت أن أحدد عدد أعضاء مجلس النواب في دستور سنة 1930، بحيث لا يزيد عن 150 نائبا، وقد وزع هذا العدد على المديريات والمحافظات بمقتضى قانون حدد الدوائر الانتخابية في ذلك الحين.
الانتخاب المباشر وذو الدرجتين
كانت لجنة الدستور سنة 1923 قد جعلت طريقة الانتخاب على درجتين، وصدر بذلك قانون، فلما تولى الوفد الحكم حول هذا الانتخاب ذا الدرجتين إلى انتخاب مباشر، بدعوى أنه حق طبيعي وأصدق للتعبير عن رغبة الأمة.
والصحيح أن الانتخاب وظيفة، لا حق يتمتع به الكافة على السواء، وأنه لذلك يجب أن تكون لدى الناخب الكفاية اللازمة لما يناط به من حسن الاختيار.
وما نحتاج إلى دليل على أن هيئة الناخبين في مصر تعوزها أسباب التربية السياسية، التي تمكن الناخب من الحكم في قضايا السياسة، ومشاكل الحكم؛ ليؤثر من يراه أدنى إلى قلبه وفهمه.
وليس من يجهل أن مصر بلد زراعية، وفيما عدا المجاميع التي تسكن المحافظات، وعواصم المديريات والمراكز، والتي لا تبلغ ربع عدد السكان، فإن أساس الحياة العامة، والخلية الأولى في عمليات الانتخاب هي القرية، ومعظم القرى يتراوح سكانها بين حوالي الألف وأربعة الآلاف، وعلى القرية وطبائع سكانها يبنى الحكم ويجري القياس، ولو أن أهل القرية سئلوا أن يختاروا من بينهم من يثقون بذمتهم لكانوا خليقين بأن يحسنوا الاختيار؛ لأن ما يقتضيه ذلك من معرفة الخلق والمقدرة موفور الأسباب في هذا المجتمع الضيق، لكنهم لو سئلوا أن يتجاوزوا أفق القرية، لاختيار رجل يتحدث عنهم، وعن أمثالهم ممن يكون مجموعهم دائرة انتخابية «ستين ألفا» أو نحو «مائة ألف» لأعوزتهم المعرفة المباشرة بلا شك ... فلم يبق إذن إلا أن يعتمدوا على العلم بشيء مما يتجادل فيه المرشحون، وعلى الإلمام بطرف من ماضي أحزابهم، ومبادئها ونزعاتها والتميز بينها.
فهل يستطيع ذلك سواد الناخبين في مصر؟!
Bog aan la aqoon