وكانت الأوقاف الأهلية وقتئذ تابعة لديوان يدعى «ديوان الأوقاف»، ولم تكن «نظارة» لها ناظر مسئول، بل كانت تابعة للخديو رأسا، وكان كتشنر قد علم بشراء الأوقاف أرض المطاعنة من ملك الخديو بمبلغ ستين ألف جنيه، وقيل إذ ذاك: إن هذه الصفقة فيها غبن، وفيها محاباة للخديو، فاهتم بالأمر، ولما كانت المسألة دينية شرعية، فقد سعى كتشنر لدى الباب العالي بمساعدة الأمير سعيد حليم الصدر الأعظم في ذلك الحين، حتى حصل على موافقته، وموافقة شيخ الإسلام، وكان هذا الأمير معروفا بعدائه للخديو ... وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد تركت لكتشنر حرية التصرف في الموقف، فبعث برأيه إلى رئيس النظار في تحويل ديوان الأوقاف إلى نظارة، فلما بلغ الخديو ما بعث به المعتمد البريطاني، قال: هذه مسألة دينية، لا يحق لكتشنر ولا لحكومته التدخل فيها.
فكان رد كتشنر: إذا كان الخديو لا يريد الموافقة، فأنا أسلم العرش للأمير سعيد حليم الصدر الأعظم ...!
واستدعاني اللورد كتشنر لمقابلته في دار الوكالة البريطانية؛ بسبب غياب محمد سعيد باشا في ذلك اليوم بالإسكندرية، فذهبت إليه، فما كدت أدخل غرفته، حتى وجدت القائد العام لجيوش الاحتلال في مصر خارجا من عنده، فقال لي كتشنر: «هل تدري لماذا كان القائد عندي؟!» فسكت، وأدركت ما يعنيه من أن ذلك من أجل توقف الخديو في الأمر ومعارضته لإنشاء النظارة المطلوبة ...
ولما عدت من عنده أخبرت سعيد باشا بما حدث، ودارت المخاطبات بين مصر واستانبول بوساطة سعيد باشا، وحسين رشدي باشا، وانتهى الأمر بتحويلها إلى «نظارة أوقاف» في نوفمبر سنة 1913، واختير أحمد حشمت باشا أول ناظر للأوقاف، ومحمد شفيق باشا وكيلا لها، وألف لها مجلس أعلى، وعدلت الوزارة فاختير أحمد حلمي للمعارف، وسعيد ذو الفقار للمالية، ومحمد محب باشا للزراعة.
كيف عينت وزيرا لأول مرة
كانت السياسة البريطانية ترمي إلى فصل مصر عن تركيا، لا حبا في المصريين، بل خدمة للسياسة الاستعمارية وتدعيما لسياسة الاحتلال.
لذلك عمل اللورد كتشنر على توسيع اختصاص مجلس شورى القوانين، وإعداد قانون نظامي جديد يحل محل النظام القديم الذي وضع سنة 1883.
وقد صدر القانون الجديد سنة 1913، وهو يقضي بإنشاء جمعية تشريعية تحل محل مجلس الشورى، وتأليف مجلس في كل مديرية، واختير مظلوم باشا رئيسا لهذه الجمعية، وعدلي يكن باشا وكيلا معينا، وسعد زغلول باشا وكيلا منتخبا.
وفي 22 ديسمبر من تلك السنة افتتح الخديو عباس الجمعية بخطاب ألقاه بنفسه!
وفي 5 فبراير سنة 1914 سقطت وزارة سعيد باشا، وكان الخديو قد غضب عليه بسبب سكة حديد مريوط التي كانت ملكا لسموه، والتي باعها سعيد باشا للحكومة المصرية بمبلغ «390 ألف جنيه» فقط ... وكان الخديو يعتبر هذه الصفقة غير مربحة، وقد اتهمه بأنه كان يسير تبعا لمشورة كتشنر، ولا يحفل برأيه. وكانت الحكومة الإيطالية قد عرضت على سموه أن تشتريها بمبلغ أكبر من هذا المبلغ، لولا موقف سعيد باشا واللورد كتشنر.
Bog aan la aqoon