Xusuusqorka Gabar la Yidhaahdo Sucaad
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Noocyada
فتحية كانت أكبر منها قليلا، رأسها بغير شعر بعد أن حلقت أمها شعرها حتى آخره لأنه كان مليئا بالقمل، ترتدي فوق رأسها منديلا يشبه المنديل الذي ترتديه جدتها وعمتها، لكنه ليس أسود، ولم تكن سعاد تلعب مع فتحية إلا حين تخرج أمها، تشدها من جلبابها الواسع وهي واقفة أمام الحوض تغسل الصحون وتقول لها: تعالي نلعب يا فتحية. لكنها تظل واقفة مكانها وهي تقول: لا يا ستي سعاد، ستي تضربني. فتقول لها: ماما خرجت هي وبابا. وتجفف فتحية يديها المبللتين في جلبابها ثم تخرج معها إلى الصالة أو إلى حجرتها حيث تلعب معها الأستغماية، أو تجلس على الأرض وتربع ساقيها تحت الجلباب وتحكي لها حكايات العفاريت التي كانت قد سمعتها من جدتها وأولاد عمتها، وفي مرة سألتها: من أين تأتي العفاريت؟ فقالت لها إن العفريت يظهر بعد أن يموت الإنسان، وأبوها طلع عفريته بعد أن مات، ورأته أمها واقفا عند باب الزريبة فصرخت من الخوف.
ولم تكن تعرف أن فتحية مثلها ومثل كل الناس لها أب وأم، وتصورت أنها جاءت من الشارع، وسألتها: هل لك أم يا فتحية وهي التي ولدتك مثلما ولدتني أمي؟ وقالت فتحية: طبعا يا ست سعاد، كل واحد في الدنيا له أم ولدته. وسألت: وكل واحد في الدنيا له أب؟ وقالت: طبعا كل واحد في الدنيا له أب؛ لأن الأم لا يمكن أن تحمل وتلد بدون الأب. وانفرجت شفتاها عن دهشة خفيفة، فقد خيل إليها أنها تعرف ذلك من قبل، لكن سؤالا آخر تجمع في عقلها: وكيف تحمل الأم ويدخل الطفل في بطنها؟ وضحكت فتحية وأخفت فمها بيدها بالحركة نفسها التي تخفي عمتها فمها بطرف طرحتها حين تضحك، وقالت: الأب ينام مع الأم، وتكبر بطن الأم لأن الطفل ينمو داخلها، وبعد تسعة شهور يولد الطفل، وكلنا أولاد تسعة يا ست سعاد.
ويدور المفتاح داخل باب الشقة، فتنتفض فتحية من الذعر: ستي جاءت! وتجري إلى المطبخ، وتدخل أمها وأبوها، وتأخذها أمها إلى سريرها لتنام، وتسألها لماذا ظلت ساهرة حتى ذلك الوقت المتأخر، لكنها لا تقول لها إنها لعبت مع فتحية، وتغمض عينيها متظاهرة بالنوم، وتظن أمها أنها نامت، فتخرج من حجرتها على أطراف أصابعها.
الصباح، كان يوم الجمعة، وكل يوم جمعة تركب العربة الحنطور وتذهب إلى البحر مع كل من في البيت بما فيهم فتحية، فتحية كانت تحمل السلة الكبيرة مليئة بالطعام وتمشي خلفهم، قدماها تغوصان في الرمل، فتتخلف عنهم، وتستدير أمها من حين إلى حين وتحثها على السير.
لم تكن تعرف السباحة بعد، لكنها كانت تلعب في الرمل مع أختها وأخيها، وأحيانا تقذف بنفسها في الماء لتسبح مثل الأطفال الآخرين، لكن يد أمها تشدها من الخلف وصوتها العالي يرن في أذنيها: ستغرقين وتموتين!
ولم تكن تعرف بعد معنى الموت، وبمجرد أن تستدير أمها تقذف بنفسها في الماء، تحرك ذراعيها وساقيها بكل قوتها، تود لو سبحت في الماء كما تطير العصفورة في الجو، لكن جسمها سرعان ما يثقل والماء يدخل أنفها وفمها، فتمسك الأرض بيديها، وتقف على قدميها ثم تلقي بنفسها في الماء مرة أخرى وتحاول أن تحرك ذراعيها وساقيها.
وتكاد تسبح في الماء، لكن يد أمها من الخلف تشدها وهي تصرخ: ستغرقين وتموتين! وتجلس إلى جوارها تحت الشمسية وتلعب في الرمل مع أختها وأخيها، وحين تشعر بالجوع تنادي أمها على فتحية، فتخرج لها من السلة شيئا من الطعام.
وكانت فتحية تجلس بالقرب منهم وإلى جوارها سلة الطعام، وحين تذهب أمها مع أبيها ليسبحان في البحر تجري وتجلس إلى جوارها لتحكي لها الحكايات، وفي مرة رأتها تبكي، وسألتها لماذا تبكي، فقالت إنها تريد أن ترى أمها، ويخيل إليها أنها لو مشت فوق هذا الشاطئ حتى نهايته فسوف تجد الطريق إلى قريتها، لكنها تخاف أن يكون الشاطئ طويلا أو أنها لا تجد قريتها في نهايته ويأتي الليل فتنام وحدها في الظلام، وقد يسرقها أحد من الذين يسرقون الأطفال، أو يطلع لها عفريت من العفاريت، لكنها تفكر في أن تبدأ السير في الصباح الباكر حتى تصل قريتها قبل غروب الشمس.
وفي اليوم التالي فتحت سعاد عينيها في الصباح فسمعت صوت أمها العالي يقول: فتحية هربت. وارتدى أبوها البدلة والطربوش وخرج ليبلغ البوليس، وانتهى النهار وأقبل الليل دون أن تعود فتحية، وأغمضت سعاد عينيها لتنام، ورأت فتحية سائرة على الشاطئ الطويل حتى نهايته، وأدركها الظلام قبل أن تصل إلى أمها، ونامت وحدها على الشاطئ في سكون الليل، وجاء إليها أحد اللصوص وسرقها أو خرجت «الجنية» من قلب البحر وانقضت عليها، وسمعتها أمها في منتصف الليل تهب مذعورة من نومها وتصرخ: فتحية! وجاءت أمها إلى سريرها ورقدت إلى جوارها وهي تربت على ظهرها، وسألتها أمها عما أفزعها، فحكت لها أن فتحية قالت لها إنها ستمشي على الشاطئ حتى نهايته، وهناك ستجد قريتها وأمها.
وهبت أمها من جوارها فجأة وهي تقول: هل قالت لك ذلك؟ وردت بصوت خائف: نعم. وارتفع صوت أمها: ولماذا لم تقولي لنا هذا ونحن نبحث عنها طول اليوم؟ وأطبقت شفتيها في خوف، ورأت أمها تسرع إلى أبيها، وخلع أبوها جلباب النوم وارتدى البدلة والطربوش وخرج.
Bog aan la aqoon