وأسرجت الخيل، وصعد السائق، ووثب الغلام إلى مجلسه بجانبه، وتبودلت عبارات الوداع، وانطلقت المركبة رجراجة، وفيما كان البكويكيون يديرون أعينهم لتعليتها بآخر لمحة منها، أرسلت الشمس الهائلة إلى المغيب ضياء باهرا من حمرة اللحيم على وجوه مضيفيهم، كما سقط الضياء على الغلام الشحيم اللحوم، فإذا رأسه ينحدر فوق صدره، وقد عاوده النعاس ...
الفصل الخامس
فصل قصير، يصف فيما يصف، كيف تولى المستر بكوك قيادة المركبة، وكيف ركب المستر ونكل حصانا، وكيف تصرفا في هذه المسألة ... ***
كانت السماء صافية ممتعة، والهواء عليلا، وكل شيء في الفضاء الرحيب جميلا، حين أطل المستر بكوك من فوق سياج «جسر روشستر» يتأمل الطبيعة، وينتظر طعام الفطور.
وكان المشهد في الحق أدعى إلى الاستحواذ على من كان أقل من المستر بكوك عقلا لماحا، أو دونه خاطرا مصقولا، فمن شماله ينهض الجدار الأثري المتداعي من عدة نواحيه، والمطل من بعضها الآخر على الشاطئ الرملي المترامي - كثبانا متعرجة، وربوات عالية، وقد نما وتكاثر عشب البحر، فبدا عقدا ضخمة فوق الأحجار المتثلمة الجوانب، المحددة الأسنان، والعشب يهتز مع كل هبة من أنفاس الريح، بينما راح اللبلاب الأخضر يتشبث في حزن واكتئاب بالشرفات القواتم الخربة، ومن ورائه يقوم الحصن القديم، أبراجا بلا سقوف، وجدرانا ضخمة مهدمة، وإن حدثنا حديث الزهو والفخار عن بأسه القديم، وقوته الغابرة، يوم كان منذ سبعمائة عام، يضج بصليل السيوف، واشتباك السلاح، وتتردد في نواحيه أصدية المآدب والولائم، وضوضاء اللهو والقصف، وقد ترامت على ضفتي نهر المدواي حقول من القمح، ومروج ناضرة، تلوح خلالها طاحونة هواء، أو كنيسة منعزلة، وتبدو مترامية إلى أقصى حدود البصر في مشهد جميل مختلف الألوان، تزيده جمالا الظلال المارقة التي تخترقه كلما توارت السحب القلائل المتناثرة في ضياء الصباح، والنهر يعكس على صفحته زرقة السماء الصافية، ويلتمع ويبرق ويشع، وهو مستفيض في رفق، منطلق في سكون، ومجاديف الصيادين مغيبة في جوف أمواجه، محدثة صوتا جليا صائلا، والزوارق الثقال - وإن بدت جميلة الصور - تنساب في بطء على صفحته.
وما لبث المستر بكوك أن انتبه من هذه «الفجوة» التي اجتذبته إليها تلك المشاهد البادية أمامه، على زفرة عميقة ولمسة رفيقة فوق كتفه، فاستدار ليرى من هذا المباغت.
قال: «أتتأمل هذا المشهد؟»
فوجد «الرجل التعس» واقفا بجانبه.
قال: «نعم ... كنت أفعل.»
فعاد الرجل التعس يقول: «وتهنئ نفسك باليقظة باكرا هذا البكور؟»
Bog aan la aqoon