حنفي
المذكرة السابعة
طالع من العربخانة لا علي ولا بيه، العربية بتلعلط والخيل نظيفة، لا أنكر أن الجوز به جرح مشترك خفيف، ولكن هذا لا يستدعي حرماني من الحياة بأخذ الخيل إلى الشفخانة وتعطيل أعمالي، صحيح محسوبك مستور، وخير ربك كثير، وحاله رضا، لكن موت جوز أصايل بالطريقة المتبعة ظلم، أنا أستحمل، لكن غيري يعمل إيه؟ يموت جنب البهايم، وإلا بعد ما يكون معلم يصبح نفر يشتغل باليومية.
هكذا كان، فقد أخذوا مني الفرد اليمين؛ لأنه مجروح في وسطه والفرد الشمال؛ لأنه في رجله خراج، وبعد أيام ثلاثة وصلتني تذكرة النعي، واضطرتني الظروف لشراء جوز خيل جديد من النوع الإنكليزي وارد السلطة، رماني الله بهما في أواخر أيامي.
لا يخرج من الإسطبل إلا بالمهاودة والطبطبة، وناقص أقدم لهم شاي الساعة خامسة، بل الأكثر من ذلك إنه يهدأ إذا رميته بكلمة أو اثنين من هذه اللغة التي تعلمناها أيام الحرب للضرورة، وللتفاهم مع جنود الملك أراحنا الله من توصيلاتهم، وكره هذه البلاد في نظرهم، وحنن عليهم بالمراكب التي تحملهم وخيولهم إلى بلادهم.
لست أنسى أبدا على سبيل الفكاهة قول أحد الإخوان بعد شراء الجوز: والله يا خوفي يا حنفي لا يعملوا زي أصحابهم، يخشوا الإسطبل ما يخرجوش منه ولو بالطبل البلدي. نهايته، خرجت من الإسطبل بزيطة وزمبليطة ودربكة، وفي شارع الدواوين أوقفني أحد الخدم «المقلفطين»: استنى يا أسطى، حود يمينك واقف على تاني بيت. - حاضر يا سيدنا.
ونزلت العائلة، أم مدندشة يظهر عليها أنها أصغر بقليل من سنها الحقيقي - كجميع أمهات هذه الأيام - وثلاث بنات «ألسطة» - على الكسترة - التوليت من أبدع ما نظره آدمي، الشعور تباري بسوادها الأحداق، والثغور احمرارها مش من صنعة الخلاق، وسوق يا حنفي على العباسية، وتلاقيح العالم من كل صنف ، ونكت المنكتين ونظرات المبحلقين، وصلنا إلى فرح كبير في شارع العباسية.
ونزل الجماعة واحدة إثر الأخرى، الأم بتتقل كعادتها، والبنات هذه تشاور برأسها بهدوء، فيرد عليها صاحبنا مصلحا بدلته «السموكن» ثم رافعا طربوشه الأحمر القاني، وأولا وأخيرا ركنت أمام بيت الفرح مع إخواني العربجية، وسائقي الأتوموبيلات.
وحقا كان الفرح لوجيه كبير من الأغنياء، فقد رأيت كثيرين من لابسي الإسموكن والفراك، وازدحم المكان بكل ماركات السيارات، وابتدأ المغني يشنف الأسماع داخل المنزل الفسيح لأسيادنا، أما نحن فاقتنعنا بألحان الموسيقى تشنف أسماعنا من عربجية وسواقين وسريحة وباعة فول سوداني وشيكولاتة.
وسرقنا الوقت و«تسلطنت» معي نغمة المزيكة في دور «توبي يا حلوة توبي» فلم أتنبه إلا على «زغدة» خفيفة من بربري صغير لابس أبيض في أبيض، قفز على عربتي قائلا: دور يا أسطى.
Bog aan la aqoon