نعود إلى سيداتنا بطلات التيرو، لقد تركتهن ومدفع رمضان على وشك أن يؤذن لعباد الله الصائمين بالإفطار، فركنت بجانب كوبري شبرا، وغيرت ريقي على اللي فيه القسمة، وبعد السيجارة صعدت متمهلا جسر شوبرا، ووقفت بجانب محطة المترو، وما مرت دقائق حتى شعرت بمركبتي تهتز قليلا، فالتفت وإذا «بآنسة» من اللاتي يقصدهن الشاعر في قوله:
صوني جمالك عنا إننا بشر
من التراب وهذا الحسن روحاني
أمرتني بالمسير قليلا إلى أن اكتنفنا الظلام تحت ظل شجرة كبيرة، وأمرتني بالوقوف، ولم يمض علينا أكثر من عشر دقائق حتى رأيت شابا يقترب منا متمهلا، وبيده سبحة كهرمان «واخد بالك» قال يعني خارج من تراويح إلى تراويح، وقفز بجانبها «ولا سأل عن محسوبك أو عبره» وبصوت الأمر أصدر إرادته الكريمة بالذهاب إلى الجزيرة، ووقفنا قليلا لتأدية واجب الزيارة للبار الصغير بجانب سميراميس، تبادلا فيها مقدمة الحديث على رنين الكأس، وسرنا بعدئذ على بركة الله، ورنت القبلة الأولى في أول تحويدة بعد الكوبري والليل هادئ ساكن، وسمعت تنهيدة خرجت من قلب ستي لخبطت كياني، وأردت أن أستعيد مركزي فأسرعت الخيل، وقال لي جنابه: على مهلك يا أسطى إحنا مش مستعجلين. - العارف لا يعرف يا بيه، بس الخيل جامدة شوية، ومش على بعضها، آه، فتهامسا وضحكا، ورنت القبلة الثانية، فقلت في نفسي: قسمتك يا بو محمود، واللي مكتوب على الجبين تسمعه الودان، وقضا أخف من قضا.
فدار الحديث، وللحديث شجون، فكان يلقبها بتوتو، وهي تناديه «بسوسو» ويستولي عليهما عفريت الحب والغرام، إلى أن يلمحا خفيرا أو شويشا، فينقلب الحديث توا إلى القطن والعزبة والناظر الجديد، ومركز الوزارة، وقانون التضمينات إلى أن يمر الخطر، فأسمع منها: هئ هئ، ويعودان لتوتو وحبوب، وأنا سايح «شفهيا» مستسلم بحكم المركز والوظيفة، متأكد أن أبي - رحمه الله - رأى أضعاف ما رأيت، ولكن ما باليد حيلة، المسألة وراثة.
وتنبها من حلمهما اللطيف نصف الليل، وأنا من شارع إلى آخر في الجزيرة والزمالك، وسمعتها تقول له: نرجع بقى أحسن بابا يرجع قبلي، يمكن يزعل.
فقلت في نفسي كأني أرد عليها: والله يا ستي لا يزعل ولا حاجة، يعني هو مش حاسس!
وبالاختصار، وقفنا في ميدان الأزهار، فانتقلت إلى عربة أخرى «كالعادة طبعا» فأوصلت البطل إلى مأواه، وقصدت منزلي توا؛ لأن السحور منتظر، وأبو محمود مسلم يصوم رمضان ويشوف فيه العجب، وكله «مقدر» يا زبايني الأفاضل، فإلى الملتقى قريبا.
حنفي أبو محمود
حول مذكراتي
Bog aan la aqoon