فنصيحتي إلى الشباب أن يكونوا لأنفسهم مراكز محترمة في المجتمع، وأن يعتبروا واجبهم نحو أنفسهم هو الحجر الأساسي لما تطلبه البلاد منهم، وأنهم بتكوينهم هذه المراكز يمهدون لأنفسهم سبيل العمل المنتج والجهاد المثمر في سبيل إحياء البلاد ورقيها وعظمتها.
وواجب الشباب نحو أنفسهم يتضمن واجبهم نحو أسرهم وذويهم، ذلك لأنهم ينتظرون منهم أن يكونوا عونا لهم في هذه الحياة؛ فالآباء عندما يبذلون جهودهم لتربية أبنائهم يحق لهم أن ينتظروا منهم أن يكونوا عونا لهم في مستقبل حياتهم، وأن هذا العون لمما يشرف الشاب ويرفع شأنه بين الناس.
ثم تأتي في المرحلة الثانية واجبات الشباب نحو وطنه، ولا أقول إن هذه الواجبات تأتي في الصف الثاني من الأهمية، بل على العكس فإن واجب الشباب نحو وطنهم أعظم وأوسع مدى من واجبهم نحو أنفسهم. ذلك لأن البلاد ما هي إلا عائلة كبيرة تتألف من مجموع عائلات المواطنين، فعندما يؤدي الإنسان واجبه نحو نفسه عليه أن يؤدي واجباته نحو عائلته الكبرى وهي الوطن.
وواجبات الشباب نحو وطنهم تتفرع إلى ثلاثة أقسام: واجبات سياسية، وواجبات اقتصادية، وأخرى اجتماعية. (1) الواجبات السياسية
والواجب السياسي هو أن يساهم الشاب بجهوده وبعلمه وبكفاءته وبإخلاصه في النهوض بالبلاد من الناحية السياسية، وأول ما يجب على الشباب هو أن تكون له عقيدة سياسية، أو بعبارة أوضح عقيدة وطنية؛ لأن الذي يعمل بغير عقيدة قلما تفيد البلاد منه فائدة ما.
قد يقال إن هذا الكلام نظري، وإن البيئة والوسط والظروف وحالة البلاد تدعو إلى عدم تقيد الإنسان بعقيدة سياسية، ولكني على العكس أقول إنه يجب على الشباب ألا يعيش على هامش الحوادث والأحزاب، بل يجب أن يكون له رأي وتكون له عقيدة يدافع عنها ويصدر عنها في أعماله واتجاهاته.
على الشباب إذن أن يختار لنفسه الهيئة السياسية التي تتفق مع عقيدته ولا يتحول عن هذه العقيدة.
إني أدعو الشباب أن يحيوا بالعقيدة الوطنية لأنها أساس التقدم والكفاح، كما أنها الملاذ الأخير للإنسان إذا ما صادفته في حياته عقبات أو صدمات أو نكران للجميل، والرجل الذي يخلو من العقيدة لا يلبث أن يتخاذل ويتراجع وينتهي في آخر الأمر إلى اطراح الجهاد.
إني أدعوهم إلى تنمية روح العقيدة الوطنية في نفوسهم وألا يتعجلوا تقدير الناس لجهودهم، فأنا أعلم الناس بأن المواطن الذي يعلق عمله على تقدير الناس لجهوده لا يلبث أن يصاب من المجتمع بخيبة أمل قد تؤدي به إلى أن ينقلب على عقبيه، كما أن الوطنية الحقة أساسها أن يؤدي الإنسان واجبه دون أن ينتظر من الناس جزاء ولا شكورا.
إن الشباب وإن كان يجب عليهم أن يتمسكوا بعقيدتهم فليس من الخير أن يسخطوا على الناس إذا كانوا لا يشاركونهم في عقائدهم، ولا أن يحاسبوهم حسابا عسيرا إذا خالفوهم فيما يعتقدون. إن لهم أن يتشددوا في عقائدهم، ولكن عليهم أن يكونوا أشداء على أنفسهم، رحماء على الناس، فلعل ذلك أدعى لخدمة عقائدهم واجتذاب القلوب إليها، وأقرب إلى اعتناق الناس مع الزمن لمبادئهم.
Bog aan la aqoon