كان رحمه الله عالما تقيا، تلقيت عنه نشأتي الدينية؛ فكان يعودني وإخوتي على الصلوات الخمس نؤديها في أوقاتها، ويرتل القرآن بحضورنا، ويأمرنا بالصلاة في المسجد أحيانا. وأذكر أنه كان يوقظني قبل الفجر لأؤدي معه الصلاة في مسجد سيدي ياقوت العرش بالإسكندرية وكان قريبا من منزلنا بالأنفوشي، وأعود معه إلى المنزل بعد أداء الصلاة. وتعودت الصوم على يده في سن مبكرة، وكنت أراه أمرا عاديا ومألوفا. وكان رحمه الله يعظنا ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويحبب إلينا التمسك بشعائر الدين وتعاليمه. وكنت من ناحيتي مرهف الحس من الوجهة الدينية الروحية، أفهم من هذه الشعائر والتعاليم أنها اتجاه من النفس إلى الله، واستشعار بالخشوع له والعمل على اكتساب رضاه، واطمئنان إلى عدله وقدرته، وركون في أوقات الشدة إلى لطفه ورحمته. وهذه الأحاسيس كان لها دخل كبير في تكويني الروحي، وفي حياتي الوطنية؛ لأنني كنت ولا أزال أرى في الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه القوة الروحية التي تعود النفس الصمود للشدائد والعقبات. (3) في التعليم الأولي والابتدائي
كان أول مكتب تلقيت فيه القراءة والكتابة كتاب الشيخ هلال
2
بشارع درب الحصر، ومكثت به عدة أشهر، ثم انتقلت منه إلى المدارس النظامية.
وصرت أتنقل مع والدي في البلاد التي ولي فيها مناصب القضاء؛ فدخلت مدرسة الزقازيق الابتدائية الأميرية سنة 1895، ثم مدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة، ولما انتقل والدي إلى الإسكندرية سنة 1898 انتقلت إلى مدرسة «رأس التين» الابتدائية.
قضيت بالإسكندرية معظم سني الدراسة، وتلقيت فيها تعليمي الابتدائي والثانوي بمدرسة «رأس التين»، وكانت من أهم مدارس القطر، وكان ناظرها طيلة هذه المدة المرحوم إسماعيل بك حسنين «باشا».
ونلت فيها الشهادة الابتدائية في يوليو سنة 1901،
3
وكنت لصغر سني لا أفقه كثيرا معنى الشهادات. وأذكر أن أحد أقراني بالمدرسة حين علم بالنبأ - وكنت أجهله - سارع إلى الحضور لمنزل والدي بالأنفوشي
4
Bog aan la aqoon