فلذلك يعلن مجلس النواب المصري على ملأ العالم شديد احتجاجه على هذه التصرفات الجائرة الباطلة، ويشهد الأمم المتمدينة على تلك المطامع الاستعمارية التي لا تتفق مع روح هذا العصر وحقوق الأمم المقدسة، ويبلغ احتجاجاته برلمانات العالم، ويرفع الأمر إلى مجلس عصبة الأمم طالبا إليه التدخل في الأمر لرفع الحيف عن أمة بريئة تتمسك بحقوقها المقدسة في الحياة والحرية ولا تبغي عن استقلالها بديلا.»
وأقر المجلس هذا النص بالإجماع.
وقرر مجلس الشيوخ احتجاجا بهذا المعنى. (4) انتخابات سنة 1925
تألفت وزارة زيور باشا يوم 24 نوفمبر سنة 1924، وفي 24 ديسمبر استصدرت مرسوما بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وهكذا عدت إلى مأساة الانتخابات ولم يمض عام على متاعبي في المعركة الأولى. وكنت أتوقع محاربة الوفد لي في الانتخابات الجديدة بسبب مواقفي في المعارضة، فبذلت في هذه المعركة مجهودا مضنيا لا يقل كثيرا عن مجهودي في الانتخابات الأولى وإن كان أقصر منها مدى. وكان مما لجأت إليه هذه المرة أن طبعت كتابا عن «أعمالي في مجلس النواب» أوردت فيه مجموعة أعمالي نقلا عن المضابط الرسمية وأقوال الصحف، ووزعته مجانا في جميع بلاد الدائرة ليكون شفيعا لي في إعادة انتخابي، وألمعت في مقدمته إلى ما سألقاه من المحاربة في الانتخاب. ويطيب لي أن أنشر هنا هذه المقدمة لأنها تمثل صورة من أفكاري وتأثراتي ومتاعبي في الحياة السياسية، قلت:
هذه مجموعة أعمالي في مجلس النواب، أنشرها لمناسبة تقدمي للانتخاب للمرة الثانية في الدائرة التي شرفتني بالنيابة عنها في المرة الأولى: دائرة مركز المنصورة.
إن من حق كل دائرة انتخابية أن تطلب من نائبها أن يقدم لها حسابا عن أعماله، فها أنا ذا أؤدي واجب الأمانة وأقدم حسابا عن أعمالي في دار النيابة.
أتقدم للانتخاب بمشيئة الله تعالى هذه المرة لكي أواصل أعمالي في مجلس النواب وأتم المشروعات التي قدمتها ودافعت عنها وحالت الظروف بكل أسف دون إنفاذها في دور الانتخاب الأول. أتقدم للانتخاب لنفس الغرض الذي تقدمت من أجله في المرة الأولى ، وهو أن أضع مجهوداتي وقواي ومعلوماتي تحت تصرف الغاية التي تقصر دونها كل غاية وهي الاستقلال التام لمصر والسودان، مجددا العهد أن أخدم الوطن بكل إخلاص ونزاهة واستقامة بعيدا عن كل مصلحة شخصية أو غاية حزبية.
من أراد أن يحكم لي أو علي فليقرأ هذه المجموعة، وليمعن النظر في كل سطر من سطورها المنقولة عن المحاضر الرسمية لجلسات مجلس النواب، وليقرأ ما كتبته الصحف الوفدية تعليقا على أقوالي، ثم ليحكم بعد ذلك ضميره وليكن حكم الضمير نافذا لا مرد له. إني ما تقدمت للانتخابات لمصلحة شخصية، ولو كنت أوثر مصلحتي الشخصية لابتعدت عن الحياة النيابية لأني ما جررت منها مغنما، فضلا عن أنها عادت علي بأضرار يعرفها الكثيرون، ولكني احتملت هذه الأضرار وإني مستعد لأن أحتمل مثلها وأضعافها بالصبر والرضا والارتياح لأن في أعناقنا جميعا أمانة الوطن، وليس من صدق الوطنية أن يتردد الإنسان في احتمال هذه الأمانة. أتقدم للانتخابات وأنا عالم بأن قوما قد اعتزموا أن يحاربوني ويلقوا في طريقي ما شاءوا من العقبات، فإلى هؤلاء السادة الأماجد أقول لهم: إني لست حريصا على الانتخابات بمقدار حرصي على الدفاع عن المصلحة الوطنية وعن الحقيقة والتاريخ.
فها أنا ذا أنشر على الملأ صحيفة أعمالي في مجلس النواب، فهي حجتي أمام ناخبي الذين شرفوني بثقتهم، وهي حجتي أمام الناس، أمام خصومي وأصدقائي على السواء، وهي حجتي أمام التاريخ. أنا لا أذكر في هذه المقدمة أعمالي في المجلس، وحسبي أن يقرأها المنصفون مدونة في هذه المجموعة، ولا أزكي نفسي، ولكن أقول فقط كلمة صغيرة للذين عزموا على أن يحاربوني في الانتخابات: أيها السادة، ألم تشتركوا في آخر جلسة من جلسات البرلمان في القرار الإجماعي الذي أصدره المجلس باختياري مع الأستاذ مكرم عبيد بك لوضع احتجاج المجلس على اعتداءات السياسة الإنجليزية بعد حادثة السردار وكان القرار مبنيا على «اختيار اثنين موثوق بهما ثقة تامة بالإجماع.» فإذا كنت أنا الضعيف موضع هذه الثقة في أشد الأوقات حرجا، فكيف أكون الآن، ولم يمض شهر على هذه الشهادة الإجماعية، موضع الطعن والتشهير؟! ألم تكن هذه الشهادة نتيجة أعمالي في المجلس؟ إني أترك لضمائركم تقدير هذا الموقف وإني واثق بأنكم ستجيبون غدا أو بعد غد صوت الحق والضمير.
إني واثق من حكم الضمائر إذا حكمت، وإني مطمئن لأني أديت واجبي، وسيحكم التاريخ، وسيحكم الله وهو خير الحاكمين.
Bog aan la aqoon