وقامت اللجنة أثناء مرضي بالطواف بدلا عني في الدائرة.
وفي الحق أن ضمير الشعب لم يتأثر إلى الحد الأقصى من الانقسام الذي حدث سنة 1921، فعلى الرغم من أني لم أعتمد في حملتي الانتخابية على عصبية عائلية أو نفوذ شخصي أو قوة حزبية؛ فإن ما عرفه الناس عني من ماض وصفوه بالوطنية قد أوجد شيئا من التوازن بيني وبين منافسي مرشح الوفد.
نجحت بصوت واحد
فزت على منافسي بصوت واحد؛ إذ نلت 171 صوتا ونال هو 170 صوتا، وكان عدد المندوبين الذين أعطوا أصواتهم 341 مندوبا.
كان هذا الصوت الواحد حديث الناس في مجالسهم، وقال الذين شهدوا إعطاء الأصوات أن أحد المندوبين، وكان متقدما في السن، دخل ليعطي صوته، فسأله رئيس اللجنة «المرحوم بيومي بك مكرم القاضي بمحكمة مصر الابتدائية وقتئذ» عمن ينتخبه، فأجاب على الفور: عبد الرحمن الرافعي، ثم سكت هنيهة، وتلعثم قائلا: بل أريد علي عبد الرازق، فرفض رئيس اللجنة عدوله عن رأيه واعتمد صوته لي. وأخبرني الذين شهدوا هذا الحادث أنهم سألوا الرجل بعد ذلك عما دعاه إلى العدول، فاعترف لهم بأنه كان يريد إعطاء صوته لعلي بك عبد الرازق، ولكن اسمي جرى على لسانه عفوا دون تفكير منه، ولما فطن إلى خطئه (كذا تعبيره) أراد أن يتدارك الخطأ فصارح رئيس اللجنة بأنه إنما يقصد انتخاب علي عبد الرازق لا عبد الرحمن الرافعي، فرفض منه هذا العدول، وقال إن هذا تلاعب لا يجوز وأنه استنفد حقه في الانتخاب بإعطائه صوته أول مرة.
وتحدث الناس كثيرا عن نجاحي بصوت واحد، وقال لي بعض الصوفية إنه صوت الله، فحمدت لهم هذا التعبير، وقلت لهم إنني فعلا كنت وما زلت «ولا أزال» معتمدا على الله.
وقد طعن في انتخابي أمام مجلس النواب، واكتنف الطعن بحوث فقهية طويلة في نصاب الأغلبية، ومدلولها، وفي قيمة هذا الصوت الذي رجح كفتي في الميزان وكان سببا لنجاحي. وكان محور الطعن أن الأغلبية هي نصف الأصوات زائدا واحدا، وبما أن عدد الأصوات التي أعطيت 341 فيكون نصفها
زائدا واحدا، وتكون الأغلبية
لا 171، وأنني على هذا الحساب ينقصني نصف صوت! ولكن لجنة الطعون رأت أن طريقة الحساب بهذا الشكل غير معقولة، وأن الأغلبية في هذه الحالة تكون بجبر الكسر، وأقر المجلس وجهة نظر اللجنة وقرر رفض الطعن.
نال الوفد تسعين في المائة من مقاعد النواب، وفشل في الانتخاب أشهر خصوم سعد أو الذين لا يؤيدون سياسته، وسقط رئيس الوزارة يحيى إبراهيم باشا في دائرته الانتخابية «منيا القمح» وفاز عليه مرشح الوفد، وكان سقوطه شهادة ناطقة له بنزاهته ومحافظته على حرية الانتخابات وتجنيبها تدخل الحكومة وضغطها على حرية الناخبين في جميع المناطق، مما يذكر له بالخير حقا؛ إذ كانت هذه الانتخابات نموذجا للانتخابات الحرة.
Bog aan la aqoon