وبعد مرور أيام من أسبوع الممثلة، كانت الروح قد بلغت الحلقوم. فلم أستطع الاستمرار في العمل، واضطررت لحل الفرقة بعد أن تقدمت للست صاحبة الأسبوع بما دفعت، وهو الخمسة والستون جنيها. ولكن بسلامتها أبت استلام المبلغ بحجة أنها دفعت لي مائة جنيه لا 65، وحتى إذا ما كنتش مصدق، الوصل آهه! آه ... والله طبيت يا أنس!
لم يكن لدي المبلغ بأكمله بالطبع، وما شعرت في اليوم التالي إلا ببلاغ مقدم من حضرة الممثلة المصونة والجوهرة المكنونة، تتهمني فيه بالنصب والاحتيال والاستيلاء منها على 100 جنيه «جنيه ينطح جنيه». وقد تطوعت جريدة «المقطم» الله يمسيها بالخير ولا يوريناش فيها مكروه ... تطوعت برواية الخبر على هذا النحو الطريف الخفيف الذي صورتني فيه تصويرا يبعد عن الواقع بعد الخيال عن الحقيقة.
استطاعت الست الممثلة أن تحصل على وساطات كادت توديني في شربة ميه! ولولا دقة النائب العمومي في ذلك الحين وهو المرحوم طاهر نور، لتحلت يداي بالأساور الحديدية المعدة للسادة اللصوص وقطاع الطرق. نعم لقد كتب السيد أحمد شرف الدين خطابا إلى المرحوم طاهر نور شرح فيه الحقيقة، فقرر الإفراج عني، وكنت قد جمعت من هنا ومن هناك الخمسة والثلاثين جنيها التي كمل بها مبلغ المائة جنيه وسلمته إلى الست الشاكية. وبذلك تقرر حفظ بلاغها.
وبعد، أليست هذه طريفة من الطرائف؟؟ أليست عينة من عينات الاعتراف بالجميل عند كثيرين من عابري سبيل هذه الحياة الدنيا؟
ولماذا أضع أمام عينيك سيدي القارئ عينات أو ما يشبه العينات؟ إنه يكفي أن أقول لك إنني منذ اليوم الأول من شهر يناير، إلى اليوم الآخر من ديسمبر سنة 1927، لم أكن أصل إلى شباك التذاكر، حتى يطالعني العامل بورقة حمراء لدفع كمبيالة للبنك، أو إعلان لحضور جلسة، أو بروتستو أو إعلان حجز أو بيع ... يعني أن سنة 1927 التي مرت على الناس بسيطة كانت على دماغ العبد الله كبيسة بشكل ... الله لا يوري عدو ولا حبيب!
وفي شهر فبراير من العام المذكور اجتمع حضرات الدائنين الأماجد، وأنشئوا ما يشبه نظام صندوق الدين، وانتخبوا من بينهم السيدة «ك» لتكون بمثابة متصرفة، أو قيمة، أو وصية على العبد لله، فكانت تعطيني في مساء كل يوم سبعين قرشا فقط لمصروفي، ثم تجمع بقية الإيراد لنضعه في الصندوق لحساب الدائنين وكل سنة وأنتم طيبين؟
عودة إلى كشكش
وسدت السبل في وجهي من كل ناحية، فلا أنا واجد إنصافا من الناس، ولا عرفانا بالجميل ممن كانوا حولي. وفيما أنا على تلك الحالة زارني أحد دائني وتحدث إلي، لا في طلب ماله، بل في نصيحة رأيت أن أعمل بها. ذلك أنه قال لي: «قوم حط دقنك وألبس جبتك وقفطانك يا سي كشكش، وأنت تلقى الفلوس هلت عليك تاني يا أخينا!».
ودارت في مخي هذه النصيحة، واحتلت جوانب رأسي وإن كنت واثقا أن مصدرها لم يكن حب الخير للخير، بل لحصول الدائن على دينه! وفيها إيه يعني؟ ما تجرب حظك تاني يا وله!
وفكرت في زميلي القديم بديع خيري. فرأيت أننا إذا افترقنا حل البؤس والشقاء بكلينا، وإذا اجتمعنا كان الخير في ركابنا وضحكت الدنيا لنا. فلماذا لا نضم الشمل ونشترك في زغزغة الدنيا مع بعض ... يمكن ربك يفرجها؟
Bog aan la aqoon