اشترك معي بديع في «الليالي الملاح» و«الشاطر حسن» و«أيام العز» ... وقد كان نجاحها بليغا، كما كان أثر بديع وبديعة فيها واضحا جليا.
ريا وسكينة
وهنا ... معذرة يا قرائي الأعزاء إذا عدت بكم ثلاث سنوات إلى الوراء، لأسجل حادثا له أهميته الاجتماعية والفنية.
في سنة 1921 روعت مصر من أقصاها إلى أقصاها إثر اكتشاف حوادث جنائية في الإسكندرية لم يكن للبلاد بها عهد من قبل، وتلك الحوادث هي استدراج بعض النسوة إلى مكان معين، وسلب حليهن ثم قتلهن أشنع قتلة، والتمثيل بجثثهن ثم دفنهن تحت الجدران. وكان أبطال هذه العصابة امرأتين «ريا» و«سكينة» وزوج إحداهما واسمه «حسب الله».
كان اكتشاف هذه الجنايات حديث الناس جميعا. ولما كنت أشعر بأنني خلقت للدراما لا للكوميديا، فقد عولت على اقتباس موضوع من هذه الحوادث الدامية وإخراجه على المسرح.
وهذه النزعة - نزعة الدرام - يظهر أنها تسكن أدمغة رجال الكوميدي جميعا، فكل منهم يعتقد - إن حقا وإن باطلا - بأنه مبرز في هذا النوع، وأنه إذا اتجه إليه فاق نفسه في الكوميدي بمراحل.
ولعل القراء يعرفون كيف عقد شارلي شابلن عزمه على إخراج دوري نابليون وهملت، وكيف صرح مرارا بأنه سيكون المجلى فيهما. نهايته ... أعددت رواية «ريا وسكينة» وأخرجتها في مسرح برنتانيا، ففاق نجاحها كل حد، بحيث كنت أسمع بأذني النحيب والبكاء صادرين من الناس طرا. وكم سمعت البعض ينادون بالصوت العالي: «بزياده بقى ... قتلتونا يا ناس ...».
كان الممثل حسين إبراهيم يقوم بدور «ريا»، وكانت بديعة تظهر في دور إحدى الضحايا التي تفتك بهن العصابة. كما اضطلعت أنا بدور سفاك اسمه مرزوق. وما دمت قد أشرت إلى ما كان لهذه «الدرام» من تأثير عميق في الجمهور، فلا مانع من ذكر هذه الواقعة.
دشرها ولاك ...!
حدث عندما كنا نمثل هذه الرواية في يافا، أن كان أحد المشاهد حاميا بيني وبين بديعة، وكان الحوار بالغا أشده، حين تقدمت من الفريسة وأطبقت أصابع اليدين حول عنقها وهي تتلوى - كالطير يرقص مذبوحا من الألم - وأرجو السماح يا حضرات القراء في الاستشهاد بهذا المثل ... واستحملوا فلسفتي ... ربنا ما يوريكم مكروه.
Bog aan la aqoon