فماذا أفعل للتوفيق بين النظرتين؟
العشرة الطيبة
نظرت حولي فألفيت الأستاذ عزيز عيد خاليا من العمل بعد أن فشل مشروعه في كازينو دي باري، ذلك المشروع الذي افتتحه برواية «حنجل بوبو».
وكان حوله طائفة من الزملاء أعيتهم البطالة: فاستدعيت عزيزا وأشرت عليه بتأليف فرقة تجمع بعض البارزين من الممثلين. ثم صممت على أن أتخذ لها مسرحا مستقلا، فاستأجرت كازينو دي باري بالذات، وكانت قيمة الإيجار ألفي جنيه في العام.
وكنت قد قرأت رواية فرنسية أعجبني اسمها «اللحية الزرقاء»، فاتفقت مع الكاتب المرحوم محمد تيمور بك على أن يقتبسها ويمصرها. ثم عهدت إلى الأستاذ بديع خيري في وضع أزجالها، وإلى المرحوم الشيخ سيد درويش أن يلحن هذه الأزجال. فأثمرت جهود أولئك الفطاحل عن الدرة التي أطلقنا عليها اسم «العشرة الطيبة».
وتألفت الفرقة من الأستاذ عزيز والسيدة روز اليوسف والأساتذة محمود رضا ومنسي فهمي ومختار عثمان واستيفان روستي والمطرب زكي مراد والمطربة برلنته حلمي والسيدة نظلي مزراحي وغيرهم، وقد مكثوا يؤدون بروفات هذه الرواية مدة أربعة أشهر كاملة كنت أدفع فيها مرتباتهم.
أخرج عزيز الرواية. ويهمني هنا أن أقول بأنني اعتنيت بها عناية فائقة، فلم أغلل يدي عن الصرف، ولم أحجم عن بذل كل ما تطلبه إظهارها في المظهر اللائق من مال قل أو كثر أما المناظر فقد عهدت في رسمها إلى الأستاذين أحمد لطفي (الموظف الآن بمصلحة المساحة)، وعلي حسن الذي تخصص في إيطاليا لهذا العمل، ثم قصدت إلى خان الخليلي فحصلت على مجموعة شائقة من التحف القديمة والملابس الأثرية ذات القيمة، وكان من بينها ما ارتداه أو استعمله بعض مشاهير القواد والفاتحين من العصور السابقة.
وفي اليوم المحدد لظهور الرواية، كان مجموع ما صرف في سبيل إعدادها إلى اللحظة التي يرفع فيها الستار عن أول مشاهدها مبلغ ثلاثة آلاف جنيه مصري. وكانت رواية «العشرة الطيبة» هذه أول عهد الأوبرا كوميك والأوبريت في مصر! كان موضوع الرواية يتضمن تبيان شيء من استبداد الشراكسة، وكانت تركيا قد خرجت إذ ذاك من الحرب العالمية مقهورة، وكانت الأفكار في مصر تعطف عليها وتحن إليها، كما كانت حاقدة على الإنجليز لوقوفهم في سبيل نهضة مصر أولا، ولأنهم كانوا أقوى عامل في هزيمة تركيا ثانيا.
دسيسة أخرى
ولذلك استغل خصومي الموقف، وراحوا يعيدون فريتهم السابقة من أنني دسيسة إنجليزية، وأن القصد من عرضي لرواية «العشرة الطيبة» هو تجسيم مساوئ الأتراك في عين المصريين، وتقريب الإنجليز لقلوبهم. وهذا مع أن الرواية ليس فيها أقل رائحة يشتم منها أي عطف على الإنجليز، أو أي إساءة للترك. ولكن ماذا أفعل مع من لا يتورعون؟
Bog aan la aqoon