ارتفع مرتبي إلى سبعة وعشرين جنيها في الشهر، وقد كان هذا المبلغ رقما قياسيا لم تعهده المسارح من قبل، ولم يصل إليه ممثل في ذلك الحين، الذي كان الجنيه فيه يسوى الشيء الفلاني والشيء العلاني!
ولقد كان الجميع يتحدثون بهذه القيمة ويتنادرون بها في مجتمعاتهم، مما كان محلا للاستغراب من زملائي الأقدمين ... أولئك الزملاء الذين أصدروا علي منذ سنوات سابقة لهذا التاريخ حكما - مشمولا بالنفاذ - يقضي بطردي من فرقة أبيض وحجازي!! ليه؟ لأنني لا أصلح للتمثيل بتاتا، ولا أليق للظهور على المسرح ... بل ولعل القارئ العزيز يذكر أنني قلت فيما سبق بأن أولئك الإخوان تنبئوا - الله يصبحهم بالخير - بأنني لن أكون في يوم من الأيام ممثلا ناجحا، وأنه خير لي أن أبحث عن مهنة أخرى آكل منها عيش، بدل ضياع وقتي فيما لا فايدة منه ولا عايدة!!
قلت إن مرتبي كان موضع استغرابهم، ولم أقل حسدهم لأنهم بدءوا في ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت فقط، يكتشفون مواهبي الرائعة! وفني البديع! وتمثيلي المدهش! بل ويتنبئون لي بمستقبل زاهر وعهد باهر. عيني يا عيني على التنبؤات، التي كانت على طرفي نقيض مع ما سبق أن شرفوني به من تنبؤات ... برضه!!
كشكش بك والجنس اللطيف
لم يقتصر نجاح أعمالي على الوجهة العامة، بل كان له أثر شخصي خاص، فقد كنت شابا في مقتبل العمر، قيافة، على سنجة عشرة، أعيش في وسط تغمره الروح الأجنبية. وكل هذه ميزات ترفع من شأن المرء في نظر الكل، ولا سيما الجنس اللطيف. لهذا أصبحت في ذلك الوقت، مطمح الكثيرات من الزميلات وغير الزميلات، ولكنني في هذا الحين قد طرحت الأفكار القديمة ظهريا، وانتويت أن أخلص لعملي وحده، وأن أدع لغيري مداعبات «المعلم» كيوبيد ومناوراته. ذلك ما عاهدت نفسي على انتهاجه إذ ذاك.
وأرجو أن يسمح لي القارئ العزيز أن أشير إلى أنني ما ذكرت هذه الناحية الدقيقة، وهي أنني كنت هدفا لسهام الكثيرات من أعضاء الجنس اللطيف. أقول إنني لم آت على هذه الناحية الدقيقة، إلا لأنبه الأذهان إلى حادثة خاصة لم يئن أوان سردها بعد. وقد كانت سببا مباشر في تغيير مجرى حياتي، وفي إيجاد اتجاه جديد حملني تياره بقوة جارفة. ولست أريد التبسط في شرحها حتى يجيء دورها. فمهلا وإن غدا لناظره قريب!!
وأعود فأقول إن أعمالنا في ملهى الأبيه دي روز نجحت نجاحا متواصلا. وإن الإيراد الصافي الذي كان يتقاضاه المسيو روزاتي كان يتراوح بين الثلاثين والأربعين جنيها في اليوم الواحد. وقد كان هذا النجاح الفذ داعيا أصحاب الملاهي الأخرى إلى أن يحذوا حذو «الأبيه دي روز» وينسجوا على منواله، فراحوا يتلمسون السبل إلى ذلك، ويجهدون أنفسهم في الوصول إلى ما وصل إليه مسرحنا. وكان في مقدمة تلك الملاهي (كازينو دي باري) الذي كانت تديره إذ ذاك مدام مارسيل لانجلو «مكان سينما استديو مصر (ريتس الآن)».
وجاءت مدام مارسيل بالزميل القديم الأستاذ عزيز عيد، وجعلته على رأس فرقة ظلت تواليها بالعناية والاهتمام، ولكن للأسف لم تسفر هذه التجربة عن شيء من النجاح قل أو كثر!! ولأسباب مجهولة باء مسرح الكازينو بالخسران المبين.
ظهور الكسار
وراحت مدام مارسيل تفتق ذهنها في ابتكار الأساليب المتنوعة، فتناولت أشخاص الممثلين بالتغيير والتبديل، وفعلت مثل ذلك مع المديرين أيضا، إلى أن هداها التوفيق إلى الأستاذين مصطفى أمين وعلي الكسار. وهنا فقط بدأت فرقة (كازينو دي باري) تحتل مكانا هاما في عماد الدين، كما بدأ نجم الأستاذ الكسار يتلألأ في ذلك الحين إلى جانب نجمي، وأوجدت الظروف من الفرقة - التي كان على رأسها - منافسا قويا لفرقتنا الناجحة.
Bog aan la aqoon