فقال «ولا يهمك». ثم داعب بأصابعه جيوب صديريته فسمعت رنين النقود التي كدت أنسى لونها. فاطمأنت نفسي وقبلت أن أمضي السهرة معه.
وهنا أستميح القراء في أن أمر على تلك السهرة مر الكرام، وأن ألقي على تفاصيلها طشت غسيل. مش ماجور بس!! ويكفيهم مني أن أقول إنها كانت ليلة «بوهيمية» وإننا توسعنا إذ ذاك في الانبساط، كأنه كان آخر زادنا!! كل ذلك وأنا أخشى ألا يغطي ما في جيوب زميلي حافظ نفقات هذه الليلة.
وفي صباح نهاية السهرة خلوت بالسيد السند، وسألته عما لديه من النقود؟ فأخرجها ... وإذا بالمجموع ثمانون قرشا صاغا ليس إلا! فلما تقدم كشف الحساب، اتضح أن المطلوب منا أربعة جنيهات!! يا نهار زي الكوبيه يا أحمد يا حافظ! هي كل سكك كده؟
فاعل خير
نهايته. لم تفد التوسلات والاسترحامات. فكانت نجاتنا على يد مجهول. الله لا يغلب له وليه. ولكي أخلص ذمتي. أقول بأنني بعد سنوات كثيرة من هذه الحادثة، وبعد أن ألفت فرقتي التي تحمل اسمي، ذهبت إلى المنصورة لإحياء حفلات بها. وقصدت إلى المكان المعهود خاصة لمقابلة ذلك «الجندي المجهول»، ودفع ما في عنقنا من دين وفوقه ولو كلمة متشكر أو ممنون ... إلخ، ولكن أقول مع الأسف الشديد إنني لم أعثر عليه طيلة إقامتي في المنصورة ... فعوضه على الله، ومين قدم شيء بيداه التقاه! وهنيالك يا فاعل الخير.
ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بأس من أن أشير هنا إلى خناقة لرب السما، وقعت بين السيدة روز اليوسف وبين الأستاذ عزيز عيد، كان من نتاجها أن وقع طربوش الثاني أسيرا في يد الأولى. فكان نصيبه منها التقسيم إلى أربعة أجزاء متساوية. هذا عدا ما حدث «للزر» الذي لم يبق منه «فتلة» ... توحد الله.
لم يكن بالطبع لدى الأستاذ عزيز طربوش آخر، كما أنه ما فيش لزوم أقول لك إن الحالة المالية لم تكن تسمح بشراء رباط جزمه، مش طربوش كمان. واضطر عزيز أن يسير في الشارع «حافي» الرأس ... أو عاريه. ولم يكن التمدن في ذلك الحين قد طلع علينا بمودة «الاسبور» الحالية، التي تبيح السير بلا طربوش. ولو فرض حتى وكانت هذه المودة موجودة، فإن السيد عزيز آخر من يلجأ إليها.
نهايته. لم يكن حظ ليالي المنصورة الباقية من وجهة الإيراد خيرا من الليلة الأولى. فقد كانت الحالة نايمة إلى درجة لا يتصورها أحد. وكنا عايشين على القدرة. ومن غير تطويل أو شرح، أقول إننا فتحنا قرضا جديدا في المنصورة لأجرة العودة بسكة الحديد إلى القاهرة.
لم تكن هذه الأهوال المتلاحقة لتدخل اليأس إلى قلبي، بل كانت تملؤني يقينا باقتراب ذلك اليوم الذي يعرف فيه الناس لهذه المهنة حقها، ويغيرون آراءهم بالنسبة لها. أضف إلى ذلك أنني عقدت العزم على أن أجاهد ما استطعت، واضعا نصب عيني هدفا واحدا، هو حمل الناس على الاعتراف بالتمثيل كمهنة تشرف أصحابها وتتشرف بانتسابهم لها.
كان اتفاقنا مع إدارة تياترو برنتانيا (القديم) جائرا بالنسبة لنا، ففكرنا في الانتقال إلى مسرح آخر على قد الحال، يكون إيجاره أقل من إيجار ذلك المسرح الذي كان يلتهم أرزاقنا التهاما، وانتهينا إلى اختيار تياترو الشانزلزيه بشارع الفجالة.
Bog aan la aqoon