كان هذا الكلام الحكيم وغيره كافيا لإقناعي، لا سيما وقد شعرت من خلال الحديث أن روح الصداقة تتمثل فيه، وأن الصراحة هي التي تمليه. كما تبين لي أن محدثي كان يرمي إلى أن يجعل هدفه الأول، وغرضه الأسمى، الوصول إلى النجاح دون كل الاعتبارات المتباينة ... النجاح الذي يعود أثره لا لي وحدي - بل وللهيئة التي يشرف على إدارتها. وانتهت هذه الجلسة بالاتفاق المبدئي على الاشتراك في إخراج الفيلم بعد الانتهاء من رواية «الدنيا على كف عفريت».
لماذا عدت إلى السينما
وفي هذه الأثناء ظهر فيلم «الحل الأخير» فكان نجاحه مشجعا لي على الإقدام، لأننا رأينا من الجمهور ناحية طيبة مطمئنة، هي أنه بدأ ينظر إلى العمل من حيث قيمته الفنية لا من حيث الشخصيات القائمة به. أقول إن هذا الإقبال الكبير على «الحل الأخير» زادني طمأنينة، وطرد من مخيلتي شبه التردد الذي كان يلازمني قبل مشاهدته، واشتركت مع بديع في وضع فكرة السيناريو ثم ذهبنا إلى الأستوديو ولقينا الأستاذ أحمد سالم، فعرضنا عليه فكرتنا، ولكنه أمهلنا يومين قابلناه بعدهما فعرفنا منه أنه قائم في الغد إلى أوربا، لأعمال تستدعي غيابه فترة. ثم قص علينا فكرة جديدة مفضلا جعلها أساسا للسيناريو الذي نضعه، ولا أجد غضاضة في التصريح بأن هذه كانت المرة الأولى التي استحسنت فيها قصة لأي إنسان كان!
ووافقني بديع على صلاحية هذه الفكرة، فعقدنا النية على بناء سيناريو «سلامة في خير» على أساسها. وقد كان. وأود أن أشير هنا إلى أن اختيارنا كان قد وقع على اسم «أفراح » لإطلاقه على الفيلم، ولكن الأستاذ سالم فضل عليه اسم «سلامه في خير» وقد كان ... برضه، وسافر الأستاذ أحمد سالم إلى أوربا بعد أن سلمنا للأستاذ نيازي مصطفى بصفته مخرجا للفيلم. وإني لأذكر أنني صدمت هذا الفتى في ذلك الحين بتصريح غير مستحب، لأنني لدغت من مخرجين قبله. ولا يلدغ الممثل من مخرج مرتين!! ولكن بمرور الوقت وبالاختلاط في العمل عرفت قيمة نيازي، فاعترفت بخطئي السابق في تقديره فهو كفء مخلص لفنه.
وكانت اجتماعات متعددة متتالية بيني وبين بديع ونيازي عالجنا فيها وضع السيناريو وربط موضعه وحوادثه.
وهنا أكشف للقراء سرا لم يقف عليه واحد منهم، وهو أنه بعد أن تم من تصوير الفيلم أربعة أخماسه ولم يبق إلا خمسه، كانت هناك أجزاء من الفيلم لم ننته من تأليفها بعد تماما. كما نفعل في رواياتنا المسرحية ... واللي فيهش ما يخلهش!
وسرنا في عمل الفيلم وحولنا جو من التفاهم التام لم يكن لي به عهد من قبل، فقد كان المخرج يعمل في حدود واجبه، وكثيرا ما عاوننا بأفكار ثاقبة، وآراء ناضجة، فكنا نحن الثلاثة نواصل العمل سويا، وكل منا يشعر أنه يؤدي فرضا واجبا يدفعه إليه الإخلاص والحرص على النجاح.
وقبل أن ننتهي من آلام الوقوف أمام الكاميرا آناء الليل وأطراف النهار، استلمني المسرح. ولهلبني الموسم فاقتحمته بروايات قديمة نزولا على نصائح الأعزاء من الإخوان واقتراحات المحبين من المتفرجين. ولكن ذلك لم يحل بيني وبين التفكير مع الزميل في الرواية الجديدة «لو كنت حليوه».
ومع ذلك فإن أبراج المخ الغلبان، كانت حاتطير طيران، والذي زاد الطين بلة ما أصابه في نهاية العمل بالأستوديو على أثر الأضواء التي كنت أقف تحت وهجها الساعات الطويلة، والتي تكفي من غير مبالغة لكهربة خزان أسوان، ولولا أن الله قيض لي بعض الأطباء الأصدقاء الذين اختشى منهم المرض على عرضه ففارقني غير مأسوف عليه ... أقول لولا ذلك لعرضت نفسي على مؤتمر الرمد الدولي الذي عقد بالقاهرة، ولكن الحمد لله جت سليمه ... والبركة في الإخوان.
لتحيا المنصورة
Bog aan la aqoon