وأريد أن أقرر في هذه المناسبة أنني تلقيت بعض كتب التقدير والتهنئة من أقلية صغيرة من حضرات الأدباء والمثقفين، الذين راقت الرواية في نظرهم، أو الذين اطلعوا من قبل على أصلها الفرنسي. ولكن أين لمثل هذه الأقلية أن تظهر أمام تيار الأغلبية الجارف. الذي ثار في وجه الرواية ووقف منها موقفا ... ربنا ما يوري عدو ولا حبيب!
ولما لم تفلح الرواية في القاهرة، أردت أن أرى أثرها في غيرها. فقصدت إلى المنصورة، ولكن شعبها - الله يصبحه بالخير - لم ير فيها غير ما رآه القاهريون، بل قل إنهم كانوا شرا عليها من زملائهم هنا . فقد قابلوها مقابلة كلها هزؤ وزراية واستخفاف! وإني لا أزال أحتفظ إلى اليوم بخطاب وصلني من طالب بالمنصورة، يخلع علي فيه من النعوت أشنعها ومن الشتائم أقذعها، وهو فضلا عن ذلك يحذرني العودة إلى المنصورة بعد هذه «العملة» السودة! والعملة هي بالطبع تمثيل رواية «الجنيه المصري»! وانسدت في وجهي السبل، وانهار الأمل بعد أول محاولة قصدت إليها، فجلست قبالة بديع وتركنا لأفكارنا العنان، عسى الله أن يفتح علينا بالفرج بعد الضيق.
انتقام
الرواية قطعة فنية رائعة، لا في ترتيب حوادثها فقط، بل وفي المنطق السليم الذي عولجت به الوقائع وانتهت إليه النتائج! فما الذي حاق بالرواية يا ترى؟ وما الذي أنزلها إلى هذا الدرك في نظر جمهورنا، الذي شهدنا له بالتفوق في الإدراك والسمو في الفهم؟
لم أدر علة ذلك، وإن كنت أستدرك فأذكر أننا أعدنا في الموسم الأخير (أي في هذا العام) تمثيلها على مسرح رتيز، كتجربة نرى من خلالها هل لا تزال حافظة مكانتها المقندلة في نفوس الجمهور؟ أم أن الأفكار تغيرت نحوها؟ وقد راعنا أنها نجحت نجاحا لم نكن نتصوره، بل لم نكن نقدره.
ما علينا. نعود إلى أيام زمان فأقول إننا حين يئسنا من «الجنيه المصري»، هدانا التفكير إلى طريق فيه شيء من اللعب على الجمهور، بل قل من الانتقام منه. ذلك أننا جمعنا بعض الراقصات وأعددنا جملة مشاهد فكاهية، حشرنا بينها عدة نكات وهزليات، وأطلقنا على هذا العبث اسم رواية «المحفظة يا مدام»، فجاءت بعون واحد أحد، أسخف ما وضعنا في عالم التمثيل من مهازل، وأحط «ما جادت» به قرائحنا (بديع وأنا) مدة اشتغالنا بالمسرح! «المحفظة يا مدام» رواية - كما سميناها - لا في العير ولا في النفير، فلن تجد لها معنى ولا مغزى ولا ... ولا ... على آخره ... أو إلخ ... زي الناس ما بيكتبوها!
كان هذا حال الرواية في نظرنا، أما في نظر الجمهور، فقد كان شباك التياترو خير شاهد على التقدير والاستحسان. ويكفي أن أذكر أن الإيراد ضرب لفوق، وبدأنا لأول مرة في الكورسال نشاهد الأرقام القياسية التي حرمتنا رواية «الجنيه المصري» منها، بل وأنستنا إياها! وكم كنت أسمع أناسا يقولون أثناء انصرافهم عقب مشاهدة البتاعة اللي اسمها «المحفظة يا مدام»: «أيوه ... آدي الرواية والا بلاش ... مش الجنيه المصري».
إعانة الحكومة
أريد هنا أن أذكر بأن وزارة المعارف كانت تشترط إخراج ثلاث روايات جديدة على الأقل في أثناء الموسم، وإلا فلا إعانة ولا يحزنون وكانت فرقتي قد أخرجت اثنتين فقط، هما «الجنيه المصري» و«المحفظة يا مدام». ولم يبق من الموسم إلا شهر أو أقل! فماذا نفعل وكيف نستطيع تأليف الرواية الثالثة وإخراجها وتمثيلها؟
وفي هذه الأثناء تقدم إلينا الأستاذ أمين صدقي برواية جاهزة اسمها «الرفق بالحموات»، فوزعنا أدوارها وأسرعنا في تدريب الممثلين وأخرجنا الرواية، ومع ذلك فقد عاشت أسبوعا واحدا لا غير! وكان أن منحتنا لجنة المعارف الدرجة الرابعة، أي أقل مبلغ منحته لفرقة في هذا العام. وبذلك قد تقهقرنا في نظرها عن العام السابق وسبحان من يغير ولا يتغير.
Bog aan la aqoon