وقد استدعتنا السلطة العسكرية، وأنذرتنا أننا نعوق سير الحكومة بما نحاول من منع تأليف الوزارة، ولم يمض يومان من هذا الإنذار حتى قبض على رئيسنا سعد زغلول باشا وزملائنا إسماعيل صدقي باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا، ونفوا إلى مالطة.
واستعرض التقرير بعد ذلك أثر هذه الأحداث على نفسية الشعب، وبخاصة من الشبان الطلبة في المدارس العالية؛ حيث قامت المظاهرات السلمية، ثم مضى التقرير يقول:
ولا شك في إن إطلاق الجنود البريطانيين الرصاص على الطلبة العزل في هذه المظاهرات السلمية على هذا النحو وفي مثل هذا الظرف، من شأنه أن يحدث في البلاد أثرا سيئا لا بد أن يكون هو النقطة الأخيرة التي فاض بها كأس الصبر في نفوس أهل البلاد؛ لأنه في يوم 15 ابتدأت تأتي أخبار الاعتداء على طرق المواصلات ووقوع البلاد طرا في هذا الإضراب الشديد. ذلك ولم يقف الاستياء من هذه المعاملة القاسية لأمة غير محاربة عند حد الرجال، فإن السيدات المخدرات لم يطقن أيضا احتمال هذه الصدمة، ولم يقف حجابهن الكثيف في طريق إظهار عواطفهن، بل قمن نحو الثلاثمائة من عقائل أعلى البيوت في القاهرة بمظاهرة نشرت الجرائد صبح يومها أي يوم 20 مارس أنها مصرح بها. فلما نزلن من عرباتهن وقطعن مسافة من طريقهن حتى وصلن إلى بيت سعد زغلول باشا، أحدق بهن الجنود البريطانيون مصوبين أفواه البنادق وسنان السنج نحوهن، فوقفن في الشمس محصورات بقوة السلاح نحو الساعتين، ثم سمح لهن أخيرا بعد أن رآهن على تلك الحال رجال الوكالتين السياسيتين الأمريكية والطليانية ... وكان هذا أيضا مظهرا من مظاهر سياسة الإحراج، تلك السياسة التي يجب عدلا وإنصافا أن تكون هي المسئولة عن النتائج التي نجمت عنها.
وانتهى التقرير إلى قوله:
والواقع الذي نؤكده لفخامتكم بالصراحة التامة هو أن استياء المصريين مسبب عن عدم مساواتهم بالأمم الصغرى التي لا تفضلهم في المدنية بمنعهم عن بسط آمالهم أمام مؤتمر السلام، وكل المصريين من أكبر رجل إلى أصغر رجل فيهم في هذا الاستياء سواء، دفعهم اليأس إلى إظهار ما في نفوسهم، كل يترجمه على شاكلته، فالرجال المسئولون من رسميين وغير رسميين قد ترجموه بالاحتجاجات المختلفة وبالامتناع عن العمل كالمحامين، والشبان والمظاهرات السلمية، أما سكان الأقاليم فأعربوا عنه، بعضهم بالمظاهرة السلمية، وبعضهم بالاعتداءات المختلفة التي بعضها موجب للأسف.
تلك هي حقيقة الوضع الذي فيه بلادنا الآن، بسطناها إلى فخامتكم بالاختصار وبالحق، نرجو أن تأمروا بتحقيقها ... والرجاء معقود بعدلكم أن تزيلوا هذا الاستياء بالقضاء على أسبابه، فإن الأخذ بناصر أمة بأسرها أقدس واجب على عظماء الرجال.
التوقيع
علي شعراوي
وكيل الوفد المصري
الفصل السابع عشر
Bog aan la aqoon