ما بعد الحرب
انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918، وأعلن الرئيس ولسون مبادئه الأربعة عشر التي كانت تعطي الأمم حق تقرير مصيرها واختيار الحاكم الذي ترضاه، وظلت مصر تترقب تطبيق هذه المبادئ عليها وبخاصة أنها قد ساعدت الحلفاء مساعدات قيمة جدا كان لها أثر كبير في نتائج الحرب، وقد اعترف الإنجليز أنفسهم بقيمة هذه المساعدات. ولما رأت مصر أنه لا يبدو أن إنجلترا ستفي بوعودها وأن الحالة سوف تبقى على ما كانت عليه، تيقظ شعور رجالها وبدءوا يتهيئون لنبذ مجال الكلام وخوض مجال العمل. وبدءوا ينبذون السياسة التي كانت مقصورة على تحرير الاحتجاجات وتشكل الوفد المصري ليتولى القيام بعمل إيجابي.
ويبدو أن التفكير في هذا الموضوع، وفي وجوب وضع حد لهذه السياسة والخروج من عالم الاحتجاجات إلى العمل الإيجابي، كان قد استولى على اهتمام كثير من رجالات مصر. ودار الحديث بشأنه بين الأمير عمر طوسون وسعد زغلول باشا وعدلي يكن باشا وعلي شعراوي باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وغيرهم من قادة الرأي في مصر. وقد كان الأمير عمر طوسون في طليعة المشتغلين بهذه القضية لدرجة أن سعد باشا كان يفكر في إسناد رئاسة الوفد إليه، ولكن الأمير لم يتمكن من الاشتراك في هذا العمل بعد أن صدرت إليه أوامر القصر بأن يعود إلى الإسكندرية وألا يتدخل في السياسة، وكان ذلك نتيجة إيعاز السلطة الإنجليزية للقصر.
ولما كانت الجمعية التشريعية التي شكلت بمقتضى القانون الصادر في أول يوليو 1913 ما زالت قائمة حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد اتجهت النية إلى اختيار أعضاء الوفد المصري من بين أعضائها، أو اختيار هيئة يزكيها هؤلاء الأعضاء وتخويل هذه الهيئة صفة الوكالة العامة، فاستقل سعد باشا وأصحابه بتأليف الوفد. وكان مما شجع هذه الفكرة ما عرضه علي باشا شعراوي من استعداده للقيام بكل ما يحتاجه سفر الوفد من نفقات لغاية أربعين ألف جنيه، ووعد بدفع الباقي إذا لم تقم الأمة بدفع المال اللازم أو قصرت في دفع جانب منه.
وقد تكون الوفد من حضرات أصحاب السعادة والعزة: سعد زغلول باشا، علي شعراوي باشا، عبد العزيز فهمي بك، عبد اللطيف المكباتي بك، محمد محمود باشا، أحمد لطفي السيد بك، إسماعيل صدقي باشا، سينوت حنا بك، حمد الباسل باشا، جورج خياط بك ، محمد أبو النصر بك، مصطفى النحاس بك، الدكتور حافظ عفيفي بك.
وقد بقي الوفد المصري بعد تشكيله، يرقب إعلان الهدنة ليبدأ كفاحه بإبلاغ بريطانيا مطالب مصر. فلما أعلنت الهدنة يوم 11 نوفمبر 1918، بادر سعد وأصحابه إلى طلب مقابلة السير ريجنالد ونجت المعتمد البريطاني، فحدد لهم موعدا يوم الأربعاء 13 نوفمبر، في الساعة الحادية عشرة صباحا؛ حيث التقى به سعد زغلول باشا وعلي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي بك.
وقد بدأ السير ونجت هذا اللقاء التاريخي بقوله: إن الصلح اقترب موعده، وبدأ العالم يفيق بعد غمرات الحرب التي شغلته زمنا طويلا، والمصريون هم أقل الأمم تألما من أضرار الحرب، وهم مع ذلك قد استفادوا منها أموالا طائلة، وعليهم أن يشكروا دولة بريطانيا العظمى التي كانت سببا في قلة ضررهم وكثرة فائدتهم.
ورد عليه سعد زغلول باشا بقوله: ما تقول إن إنجلترا فعلت خيرا لمصر، فإن المصريين بالبداهة يذكرونه لها مع الشكر، ولكنني أظن أنه لا محل لدوام الأحكام العرفية ولا لمراقبة الجرائد والمطبوعات، وأن الهدنة وقد عقدت فإن المصريين لهم حق في أن يكونوا قلقين على مستقبلهم.
وقال السير ونجت: يجب ألا تتعجلوا وعليكم أن تكونوا متبصرين في سلوككم، فإن المصريين في الحقيقة لا ينظرون للعواقب البعيدة.
ورد عليه سعد زغلول باشا: لا أستطيع الموافقة على ذلك.
Bog aan la aqoon