وعندما أجلسوني على عرش العرس، جاءت السيدات الأجنبيات كل بدورها تضم يدي وتقدم إلي باقة من الورد أو تضعها تحت قدمي في شيء من التأثر. ولم أفهم وقتئذ أن هذا الشعور كان رفقا بطفولتي لتزويجي في تلك السن المبكرة.
وعلى قرع الطبول، انصرفت السيدات ودخل الآغا معلنا قدوم العريس. ودخل وصلى ركعتين، ثم قام وأقبل نحوي ورفع القناع عن وجهي، وقبلني على جبيني، ثم أخذ بيدي وصعد بي إلى عرش العرس، وجلس إلى جانبي يحدثني حديثا لم أفهم منه شيئا، ثم أتوا كما هي العادة بكأسين من الشربات الأحمر، فأعطاني كأسا وتناول الأخرى.
في صباح اليوم التالي، نظرت من نافذة غرفتي للترويح عن نفسي بمشاهدة السرادق الكبير المزين بأفخر الأبسطة والرياش والأنوار الزاهية التي خلبتني في الليالي الماضية ... ولكني انقبضت عندما رأيت أيدي الهدم تعمل فيه، كما وجدت أرض الحديقة التي كان منصوبا عليها خالية من تلك الأشجار العديدة التي كنت أحبها، وكان لي مع كل منها شأن وذكرى.
كل تلك الأشجار التي كنت أحبها وآنس إليها وأتسلقها وأتأرجح عليها في طفولتي، والتي كانت من غرس والدي وكان يحبها مثلي ويعتني بها. أصبحت أثرا بعد عين فداء ليلة واحدة ظننت أنها ستبقى ببهائها وجلالها، ولكنها سرعان ما تلاشت كالحلم الجميل.
بكيت على أشجاري، وبكيت على طفولتي، ورأيت في تلك الحديقة الجدباء صورة من الحياة التي سأعيشها منفصلة عن كل ما كان يؤنسني ويسليني ... فابتعدت عن النافذة كاسفة البال محزونة القلب، وصرت أتحاشى النظر إليها مدة طويلة حتى لا تعاودني تلك الذكريات الأليمة.
الفصل السابع
بعد زواجي، تعود شقيقي أن يعود كل يوم من مدرسته فيقصد الجناح الذي أسكنه وكتبه تحت إبطه ليراني قبل أن يذهب إلى الجناح الخاص به وبوالدتنا. وكان ذلك يدخل كثيرا من السرور على نفسي وقلبي.
على أنني كنت ألمح تغيرا في نظراته، فقد كان يقف أمامي شاخصا إلي ببصره في كلفة لم أتعودها منه، وكنت كذلك أحار في بدء الحديث معه، كأنما كان كلانا يشعر بأن حادثا جد علينا فغير من مجرى حياتنا.
وعادة كنت أضع حدا لصمتنا بسؤاله عن دروسه وأصدقائه، وعن نتائج تناطح خراف لا لا بشير وشجار ديوكه، وعما يعتزم عمله، وهكذا تنبسط أسارير وجهه شيئا فشيئا، ولا نلبث أن نعود إلى حالتنا الأولى من الضحك واللعب، وكثيرا ما كان يترك لي بعض كتبه لأتسلى بقراءتها، ويقاسمني بعض أدواته المدرسية كما كان يفعل من قبل.
وقد أحضر لي ذات يوم باقة زهر البانسيه يضمها شريط حريري سماوي اللون، وكنت أحب هذا اللون وهذا النوع من الأزهار والذي يرمز للذكرى، ولذلك فقد فرحت بها كثيرا، وما زالت أحتفظ بها عندي حتى اليوم.
Bog aan la aqoon