وزاره رحمه الله بعد ائتلاف الأحزاب الأستاذ سليمان أفندي فوزي صاحب جريدة الكشكول، وكان متهيبا من مقابلة الفقيد العظيم، ولاحظ سعد باشا على زائره أنه مضطرب قليلا، فقابله ببشر وحفاوة وأخذ يؤانسه حتى ذهب روعه، ثم قال له: «شوف يا سليمان أفندي ... أنا رجل أقدس النقد وحرية الرأي، أنا لا أطلب من أحد أن ينظر إلى أعمالي بغير عينيه، أو يحكم عليها بغير عقله أو ينزل ضميره على غير ما يرضى. لك أن تقول في إعمالي ما تشاء، وأن تبدي فيها رأيا سواء كان لي أو علي، ولكن الذي أبغضه وأمقته ولا أطيقه إنما هو الكذب ... قل للناس إن شئت إن سعدا رجل دجال مشعوذ، فهذا رأي وأنت حر في رأيك، ولكن لا تنشر على الناس أن سعدا ذهب إلى دار المندوب السامي، أو أنه أرسل رسولا إلى العميد البريطاني ليتحدث إليه في كيت وكيت من الأمور، في حين أنني لم أذهب ولم أوفد رسولا. هذا هو السلاح الذي أنزهك وأنزه كل صحفي شريف عن الالتجاء إليه.»
محاضرة في كلية الأمريكان
عقب عودتي من أوروبا، وجهت إلي رئيسات كلية الأمريكان للبنات الدعوة لإلقاء محاضرة عن الحركة النسائية، وكان لدي من المشاغل ما منعني عن تلبية الدعوة لفترة من الوقت، إلى أن أتيحت لي الفرصة في نهاية شهر مارس 1928. وهذا هو نص المحاضرة:
سيداتي:
شرفتني السيدات الفضليات رئيسات هذه المدرسة فطلبن مني عند عودتي من أوروبا أن ألقي عليهن في هذا المعهد العلمي كلمة في الحركة النسائية، وتركن لي حق اختيار الموضوع فيها، ولكن أشغالي الكثيرة التي تراكمت علي بطول غيابي لم تمكني من القيام بهذا الواجب في حينه، فأرجو قبول معذرتي ... وأشكر السيدات اللاتي منحنني هذا الشرف وتلك الثقة الغالية بالرغم من أنهن وضعنني في مركز حرج، وهو الوقوف أمام سيدات أمثالكن، نلن من العلوم والمعارف وسعة الإطلاع ما لهن فيه غنى عن سماع كلمتي.
وقد توخيت أن يكون حديثي اليوم في موضوع المقارنة بين المرأة المصرية وأختها الغربية في الحركة النسائية؛ إذ إنني صرفت وقتا طويلا في معالجة هذا الموضوع.
سيداتي:
بالرغم من العقبات التي تعترض المرأة في سبيل رقيها من فريق المتشائمين بحركتها والمستخفين بكفاءتها، تسير المرأة في طريق نهضتها للوصول إلى تحقيق غرضها، ألا وهو إسعاد الأسرة البشرية وذلك منذ أدركت أن سعادة هذه الأسرة مرتبطة بسعادتها هي، وأن بيدها وحدها مقاليد الأمور لما لها من السلطان على الرجل في كل أدوار حياته، فهي مربيته طفلا، وعونه زوجا، وممرضته أيام مرضه وشيخوخته، وهي مدبرة البيت وقوام نظامه.
أيتها السيدات:
بينما الرجل يحترف حرفة واحدة، تقوم المرأة الضعيفة (كما يزعمون) بأعمال شتى تندمج فيها كثير من الوظائف الرئيسة فلها شأن كبير في التربية والتدابير الاقتصادية والصحية والسياسية، فهي تجمع في وظيفتها كل ما له اتصال بالحياة، لأجل هذا وجب عليها أن تتهيأ لهذه الوظائف، ولا يتسنى لها القيام بها إلا إذا نالت قسطا وفيرا من الحرية والحقوق التي تمكنها من أداء الواجب عليها.
Bog aan la aqoon