Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Noocyada
Maansada
وإنّما عرّض الله الجنود بكم ... لكي يكونوا بلا فسلٍ إذا رجعوا
يقال: عرضته للسيف: أي أمكنت السيف من عرضه، أي جانبه. والفسل: الضعيف الردىء من الرجال.
يقول: إنما مكنكم الله تعالى من جيش سيف الدولة ليتطهروا من الأوباش، فلا يبقى فيهم إلا كل شجاع فاتك فيعاودكم جيشة ليس فيه إلا الحماة والكماة.
فكلّ غزوٍ إليكم بعد ذا فله ... وكلّ غازٍ لسيف الدّولة التّبع
يقول: قد صفا جيشه من كل فسل، فكل غزو بعد هذا الغزو هو لسيف الدولة، والظفر له دونكم، وكل غاز تابع له، وداخل في جملته.
تمشي الكرام على آثار غيرهم ... وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع
يقول: كل كريم يتبع في كرمه من تقدمه من الكرام، وأنت تحدث من الكرم ما لا يسبقك إليه أحد، وتبتدع ابتداعًا، ليس لأحد مثله!
وهل يشينك وقتٌ كنت فارسه ... وكان غيرك فيه العاجز الضّرع
يشينك: أي يعيبك. والضّرع: الضعيف. والهاء في فارسه للوقت وكذلك في فيه وكان أصله: فارسًا فيه. إلا أنه أضافه إليه.
يقول: أي عيل لك، إذا ثبت وانهزم أصحابك! ليس فيه عيب، بل فيه فخر، لأنه أظهر شجاعتك وعجز غيرك.
وقيل: معناه ما شانك وقت من الأوقات في الحروب لأنك لم تنهزم قط، في وقت انهزم غيرك فيه، بل كنت الغالب وغيرك العاجز.
من كان فوق محلّ الشّمس موضعه ... فليس يرفعه شيءٌ ولا يضع
يقول: أنت أعلى من أن تضع الهزيمة من قدرك، أو يرفع الظفر محلك؛ لأنك فوق الشمس ومن كان كذلك لا يضع منه شيء ولا يرفعه؛ لأنه لا نهاية فوقه.
لم يسلم الكرّ في الأعقاب مهجته ... إن كان أسلمها الأصحاب والشّيع
يقول: إن أصحابه أسلموه فإن كره في أعقاب عدوه لم يخذله، فلم يضره خدلان أصحابه وأشياعه إياه. والهاء في أسلمها للمهجة.
ليت الملوك على الأقدار معطيةٌ ... فلم يكن لدنيٍّ عندها طمع
يقول: لو أن الملوك يعطون الناس على أقدارهم، لم يطمع الدنيء في الاتصال بهم والقرب منهم. كأنه يعرض بسيف الدولة، أنه لو كان ينفي الأراذل من جنده لم تتنفق هذه الهزيمة عليه. ويعرض بشعرائه، لأنهم لا يستحقون ما يستحقه من العطاء.
رضيت منهم بأن زرت الوغى فرأوا ... وأن قرعت حبيك البيض فاستمعوا
حبيك البيض: طرائقه.
يقول: كنت رضيت من جندك أن يكونوا نظارة، وإن ضربت الأعداء سمعوا صوت وقع السيف على رءوس الأعداء وبيضهم.
وقيل: إنه تعريض لبعض شعرائه. ومعناه: وقد رضيت منهم أن يحضروا القتلا، وأن يروا ضربك الأعداء، ويستمعوا وقع الصوت على بيضهم، ومن الواجب ألا ترضى منهم بذلك، بل كان يجب أن يضربوا بين يديك، كما أضرب أنا. والأول أظهر.
لقد أباحك غشًا في معاملةٍ ... من كنت منه بغير الصّدق تنتفع
يقول: قد أوسع في الغش معك، في معاملة، من كذبك من نفسه، وأظهر لك غير ما في ضميره، ونافقك في موالاته.
الدّهر معتذرٌ والسّيف منتظرٌ ... وأرضهم لك مصطافٌ ومرتبع
المصطاف: موضع الإقامة في الصيف والمرتبع: في الربيع.
يقول: هذه الهزيمة كانت زلة من الدهر، فهو يعتذر منها إليك، وسيفك ينتظر معاودتك غزوهم، ليتلافى ما فرط، وأرضهم لك تنزلها أيام الصيف والربيع، ولا يقدرون على ردك عنهم، ودفعك عن ديارهم.
وما الجبال لنصرانٍ بحاميةٍ ... ولو تنصّر فيها الأعصم الصّدع
الأعصم: الوعل الذي في إحدى يديه بياض. والصدع: الوعل بين السمين والهزيل. وقيل: الوعل اللطيف الجثة.
يقول: لو التجأت النصارى إلى الجبال لم تمنعهم منك، حتى لو تنصرت الأوعال التي في الجبال لكنت تصطادها بقوتك وتمضي فيها مرادك.
وما حمدتك في هولٍ ثبتّ له ... حتى بولتك والأبطال تمتصع
تمتصع: أي تقتتل يقول: لم أمدحك في شعري إلا بعد أن جربتك وشاهدتك ثباتك في الأهوال، ومضاربتك فيما بين الأبطال.
فقد يظنّ شجاعًا من به خرقٌ ... وقد يعدّ جبانًا من به زمع
الخرق: الطيش. والزمع: الروية والعزم، وقيل: هو الثبات، وقيل: رعدة تصيب الرجل عند الغضب.
يقول: لم أمدحك إلا بعد التجربة فقد يحسب الأخرق المتهور في الحروب من غير تدير شجاعا، ويحسب الشجاع إذا قدم بالتدبير والعزم والثبات على الحروب جبانًا أو إذا رؤى زمعه وارتعاده من الغضب يظن أنه جبان.
1 / 258