Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Noocyada
Maansada
ذمّ الدّمستق عينيه وقد طلعت ... سود الغمام فظنّوا أنّها قزع
القزع: السحاب المتفرق.
يقول: إن عيني الدّمستق كذّبتاه، حتى ظنّ جيشك العظيم، الذي هو بمنزلة الغمام الأسود، أنه قليل، بمنزلة القطع المتفرقة من السحاب، فلما علم ذلك ذم عينيه، وإنما خص الغمام الأسود، لأنه أهول منظرًا وأكثر في السماء إجراء وتراكمًا، فهو إشارة إلى الكثرة، ولأن فيها تكون الصواعق أكثر من غيرها، فهي بمنزلة الجيوش.
فيها الكماة الّتي مفطومها رجلٌ ... على الجياد الّتي حوليّها جذع
الكمى: الشجاع المتكمي في السلاح أي المستتر. وقيل: إنما سمى كميًا؛ لأن مواضع مقاتله كمى على قرنه. والحولي: الذي أتى عليه حول. والجذع: الذي تم له حولان.
يقول: في هذه الغمام السود، الشجعان الذي كل طفل منهم كأنه رجل؛ لشدته، أو كأنه أرجل من غيرهم، وكل مهر حولي من خيلهم كأنه جذع لقوته أو كأنه جذع من أفراس غيرهم.
يذرى اللّقان غبارًا في مناخرها ... وفي حناجرها من آلس جرع
اللقان: جبل في بلاد الروم. وقيل موضع. وآلس: نهر. وقيل بينهما مسيرة يومين. ويذرى: أي يثير ويفرق. وفيه معنيان.
أحدهما: أنه يريد سرعة السير أي أن الخيل شربت الماء من آلس وسارت منه ووصلت إلى اللقان، والماء بعد في حلوقها لم تسغه فاختلط غبار اللقان في مناخرها، بماء آلس في حناجرها.
والثاني: أنه يريد كثرة الجيش حتى أن أوله يثير الغبار باللقان، وآخره على آلس يشرب من مائه كما قال غيره:
بيثرب أخراه وبالشّام قادمه
كأنّها تتلقّاهم لتسلكهم ... فالطّعن يفتح في الأجواف ما يسع
يقول: كأنه خيله تتلقى الروم لتسلكهم وتنفذ فيهم، كما ينفذ السهم، فالطعن يفتح لهم في أجواف أعدائهم ما تسع الفارس وفرسه. يعني أن كل طعن كأنه درب يسع الفارس، فلو أراد السلوك فيها أمكنه..
تهدى نواظرها والحرب مظلمةٌ ... من الأسنّة نارٌ والقنا شمع
نار: فاعل تهدى ومفعوله. نواظرها. والهاء للخيل. والقنا: في موضع الجر عطفًا على الأسنة، ويجوز أن يكون في موضع الرفع على الابتداء، وشمع: خبره، والجملة في موضع النصب على الحال.
يقول: إذا أظلمت الحرب بالغبار، وتحيرت فيها عيون الفرسان، هداها لمع الأسنة في الرماح.
شبه القنا بالشمع، والأسنة بالنار التي في رءوسها، وهذا تشبيه بديع.
دون السّهام ودون الفرّ طافحةٌ ... على نفوسهم المقوّرة المزع
الفر: الفرار، وطافحة: أي مرتفعة، من طفحت القدر إذا جاشت وعلا زبدها. والمقورة: الخيل الضامرة. والمزع: السراع.
يعني أن هذه الخيل الضامرة السراع، واثبة على نفوس الأعداء عالية عليهم، وحائلة بينهم وبين الرمي بالسهام، والفرار بالانهزام، بل تسبق إليهم الخيل دون ذلك.
وروى: دون السهام ودون القر والمراد بالسهام: السموم، وهي الحر والقر: البرد والمزع بكسر الميم وفتح الزاي، والمقورة: الدرع، والمزع: صفتها، وهي الخلقة.
يعني أن خيله لا يلبسها من الحر والبرد والثياب المعتاد، ولكن دروع أخلقتها كثرة اللبس، والمداومة عليها.
إذا دعا علجًا حال بينهما ... أظمى تفارق منه أختها الضّلع
أراد بالعلج: الرومي. وبالأظمى: الرمح الأسمر.
يقول: إذا دعا الرومي روميًا آخر لينصره حال بين الداعي والمدعو. رمح أظمى، فيفرق بينهما، كما يفرق أحد الأضلاع من الآخر. والهاء في منه تعود إلى الأظمى وفي أختها إلى الضلع وهي المقدمة في المعنى، ورفعها لأنها فاعلة: تفارق.
أجلّ من ولد الفقّاس منكتفٌ ... إذ فاتهنّ، وأمضى منه منصرع
ولد الفقاس: هو الدمسق والمنكتف: المشدود إليه إلى خلف. والكناية في فانهن تعود إلى خيل سيف الدولة، وهي المعبر عنها بسود الغمام.
يقول: إن كان الدمستق قد نجا بنفسه، وفات خيلك، فقد أسر من أصحابه من هو أجل منه، وصرع منهم من هو أشجع منه.
وما نجا من شفار البيض منفلتٌ ... نجا ومنهنّ في أحشائه فزع
الشفار: جمع الشفرة، وهي حد السيف. وأراد بالبيض: السيوف، والأصل فيه الصفة، ثم صار اسمًا لها، والكناية في منهن تعود إلى الشفار. ومنفلت ليس بالفصيح. والجيد المفلت والأول أيضًا لغة.
1 / 256