قسمين: برا وبحرا، ثم ينقسم هذا الربع سبعة اقسام، يسمّى كل قسم منها بلغة الفرس كشخر، وقد استعارت العرب من السّريانيين للكشخر اسما، وهو الإقليم، والإقليم اسم للرستاق، فهذا في اشتقاق الإقليم ومعناه كاف شاف إن شاء الله تعالى.
ثم للأمم في هيئة الأقاليم وصفاتها اصطلاحات أربعة:
الاصطلاح الأول: اصطلاح العامة وجمهور الأمّة، وهو جار على ألسنة الناس دائما، وهو أن يسمّوا كل ناحية مشتملة على عدّة مدن وقرى إقليما، نحو الصين، وخراسان، والعراق، والشام، ومصر، وإفريقية، ونحو ذلك. فالأقاليم، على هذا، كثيرة لا تحصى.
الاصطلاح الثاني: لأهل الأندلس خاصّة، فإنهم يسمّون كل قرية كبيرة جامعة إقليما، وربما لا يعرف هذا الاصطلاح إلا خواصّهم، وهذا قريب مما قدّمنا حكايته عن حمزة الأصفهاني، فإذا قال الأندلسي: أنا من إقليم كذا، فإنما يعني بلدة، أو رستاقا بعينه.
الاصطلاح الثالث: للفرس قديما، وأكثر ما يعتمد عليه الكتّاب، قال أبو الريحان: قسم الفرس الممالك المطيفة بايرانشهر، في سبع كشورات، وخطّوا حول كل مملكة دائرة، وسمّوها كشورا وكشخرا، اشتقاقهما على ما قيل من كشسته، وهو اسم الخطّ في لغتهم، ومعلوم أن الدوائر المتساوية لا تحيط بواحدة منها متماسّة إلا إذا كانت سبعا تحيط ستّ منها بواحدة فقسموا إيرانشهر إلى كشورات ستّ، والمعمورة بأسرها إلى سبع، والأصل في هذه القسمة ما أخبر به زرادشت، صاحب ملّتهم، من حال الأرض، وأنها مقسومة بسبعة أقسام، كهيئة ما ذكرنا، أوسطها هنيرة، وهو الذي نحن فيه، ويحيط بها ستة. قال أبو الريحان: وأما الحقيقة لم جعلوها سبعا، فما أجدني واجده بالطريق البرهاني، فإن الكافّة لم يتسارعوا إلا إلى عدد الكواكب السيّارة، مستدلّين عليه بأيام الأسبوع التي لا يختلف فيها، ولا في المبدإ الموضوع لها من يوم الأحد، مختلفو الأمم. وصورة الكشورات الداخلة في كشخر هنيرة على ما نقلته من كتاب أبي الريحان وخطّ يده، الصورة على الصفحة المقابلة. قال أبو الريحان: وبهذه القسمة قال هرمس ما أسند إليه محمد بن ابراهيم الفزاري في زيجه، إذ كان هرمس من القدماء، فكأنه لم يستعمل في زمانه غيرها، وإلا فالأمور الرياضية النجومية بهرمس أولى. قال: وزاد الفزاري أن كل كشور سبعمائة فرسخ في مثلها. وقرأت في غير كتاب أبي الريحان أن كل إقليم من هذه السبعة التي قدّمنا وصفها، طول أرضه سبعمائة فرسخ، إلا السابع، فإنه مائتان وعشرون فرسخا، والله أعلم.
الاصطلاح الرابع: وعليه اعتماد أهل الرياضة والحكمة والتنجيم، وهو عندهم يمتدّ طولا من المشرق إلى المغرب على الشكل الذي نصوّره بعد قال أبو الريحان: عقيب ما ذكره من اصطلاح أهل فارس ومن خطّه نقلته: وأما من زاول صناعة التنجيم وكلف بعلم هيئة العالم، فإنه أتى هذه القسمة من مأتى آخر، لأنه لما نظر إلى الأولى ولم يجد لها نظاما تطرّد عليه من الأسباب الطبيعية دون الوضعيّة التي بحسبها تختلف المساكن في الكرة من الحرّ والبرد وسائر الكيفيات، أعرض عن تلك
1 / 26