ولكن من رحمة الله وفضله، ومنه وكرمه، أن هذه الآفة قد خلت منها جماعة من حذاق طلبة العلم، فانشغلوا في هذا الزمان الذي كثر فيه القيل والقال والبحث عن تتبع العثرات والزلات، وقل فيه الترقي في الخيرات، لتحصيل الثمرات ب (العوالي) و (الغوالي)، فعمروا أوقاتهم، وكرسوها في المشاريع العلمية النافعة.
وكان قائدهم في ذلك خدمة العلم، وباعثهم تذليل الصعب، وتقريب البعيد وجمع الشريد وسلاحهم الصبر والأناة وهمهم سد النقص، والبعد عن المكرر المملول.
ومن هؤلاء ؛ ممن امتن الله عليهم في هذا الزمان بحظ كبير، ونصيب غزير مما سبقت الإشارة إليه: الأخ الفاضل الشيخ أكرم زيادة، حفظه الله ورعاه.
فقد خدم " تفسيرا " من تفاسير كتاب الله عز وجل، بالدراسة والتحليل، مما امتاز فيه عن سائرها، حيث اعتبر بمنزلة (الأم) لها، ألا وهو تفسير الإمام شيخ المفسرين (ابن جرير الطبري) رحمه الله تعالى.
فقام بدراسة شيوخ الطبري، وعمل على ترجمتهم، مع كثرتهم، وندرة تراجم بعضهم ثم انتقل إلى سائر كتب الإمام (ابن جرير) - المطبوعة، ونظر إلى (وفاقهم)، و (فراقهم) في هذه المؤلفات، فكان هذا الكتاب الذي أتشرف اليوم بكتابة هذه السطور تقديما له - من نصيب (الوفاق)، و (الاجتماع) فشرط صاحبه فيه؛ ترجمة من وقع له ذكر في جميع كتب الإمام الطبري المطبوعة وسيتبع ذلك جملة من كتب تخص شيوخ الطبري، بينها المؤلف في ديباجة هذا الكتاب النافع، وتأنق في توزيعهم، وتقسيمهم، على وجه رائع.
Bogga 9