معجم الشيخة مريم، ست القضاة مريم بنت عبد الرحمن بن أحمد (المتوفاة ٧٩٧ م)
تحقيق: محمد عثمان
الناشر: مكتبه الثقافة الدينية
1 / 1
الطبعة الأولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠
حقوق الطبع محفوظة للناشر
مكتبة الثقافة الدينية
٥٢٦ شارع بورسعيد - القاهرة
٢٥٩٢٢٦٢٠ - ٢٥٩٣٨٤١١ / فاكس: ٢٥٩٣٦٢٧٧
E-mail: [email protected]
بطاقة الفهرسة
إعداد الهيئة المصرية العامة لدار الكتب والوثائق القومية
إدارة الشئون الفنية
ست القضاه، مريم بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن، ١٢٩٢ - ١٣٥٨
معجم الشيخة مريم / ست القضاه / مريم بنت عبد الرحمن بن احمد
تخرج: أحمد بن علي بن محمد العسقلاني.
- ط ١ - القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ٢٠١٠
٤٠٠ ص، ٢٤ سم
تدمك: ٣ - ٤٥٧ - ٣٤١ - ٩٧٧ - ٩٧٨
١ - الحديث - معجم
ا - ابن حجر العسقلاني، احمد بن على بن الكناني العسقلاني، ١٣٧٢ - ١٤٤٩ (مخرج)
ب - عثمان، محمد
ج - العنوان
ديوي: ٣. ٢٣٠
رقم الايداع: ٢٣٣٥١
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وصلى الله على من بعث بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فقد جاء الإسلام فأعلى من قيمة المرأة وكرمها، ومن هنا ظهر دور بارز للمرأة على مدى التاريخ الإسلامي، فها هي أم المؤمنين السيدة خديجة ﵂ وأرضاها، تقف بجوار الرسول في دعوته، وتؤيده وتنصره، حتى قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب". والقصب: اللؤلؤ المجوف.
وأم المؤمنين السيدة عائشة ﵂ وأرضاها أفقه النساء مطلقا، حتى قال عنها النبي صلى الله عليها وسلم: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".
وقال عنها أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب محمد ﷺ حديث قط فسألنا عائشة عنه إلا وجدنا عندها منه علما.
وقال عنها الزهرى: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي ﷺ وعلم جميع النساء؛ لكان علم عائشة أفضل.
وفي غزوة أحد، ظهرت مواقف البطولة، فقد قاتلت أم عمارة حول رسول الله فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحا.
وفي غزوة الأحزاب جاء رجل من بني قريظة بعد أن خانوا عهد رسول الله فجعل يطوف بالحصن الذي فيه النساء والذراري، فرأته صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله
1 / 5
فشدت على وسطها ثم أخذت عمودا، ونزلت من الحصن، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن، وهذا ظن اليهود أن للمسلمين ظهرا فلم يقربوهم.
ومواقف البطولة كثيرة وكثيرة...، والاهتمام بالعلم كان أكثر وأكثر، اقتداء بأم المؤمنين السيدة عائشة ﵂.
فهناك نفيسة العلم، السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: صاحبة المشهد المعروف بمصر. تقية صالحة، عالمة بالتفسير والحديث.
ولدت بمكة، ونشأت في المدينة، وتزوجت إسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق. وانتقلت إلى القاهرة فتوفيت فيها.
حجت ثلاثين حجة. وكانت تحفظ القرآن. وسمع عليها الإمام الشافعي، ولما مات أدخلت جنازته إلى دارها وصلت عليه. وكان العلماء يزوروها ويأخذون عنها، وهي أمية، ولكنها سمعت كثيرا من الحديث. وللمصريين فيها اعتقاد عظيم.
وهناك شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الإبري. فقيهة، من العلماء في عصرها، أصلها من الدينور، مولدها ووفاتها ببغداد، روت الحديث وسمع عليها خلق كثير، وطار صيتها، وتزوج بها ثقة الدولة ابن الأنباري، وكان من أخصاء المقتفي العباسي، وتوفي عنها سنة ٥٤٩ هـ، وعرفت بـ (الكاتبة) لجودة خطها.
وانطلاقا من كل هذا أحيينا أن نقدم معجم الشيخة مريم، لنظهر للأمة الإسلامية والعالم بأسرة أن المرأة كان لها دورا بارزا في أهم العلوم الحديث والفقه والتفسير، وكانت تحضر مجالس العلم، ويسمع منها الفقهاء والمحدثون.
وأحببنا أن نقدم لكتابنا هذا بمقدمة نستعرض فيها مكانة المرأة في مختلف الثقافات قبل الإسلام، وعلو مكانتها بعد أن أعزها وأكرمها الإسلام، ونسأل الله التوفيق.
1 / 6
الإسلام والمرأة
عندما تداعي محور الكفر على الإسلام وأهله، وأخذوا زمام المبادرة في قيادة البشرية، ارتفعوا بما في مجال التقدم العلمي، والحضارة المادية، إلا أن البشرية وقفت على حافة الهاوية بسبب إفلاسها في جانب الدين والأخلاق، وظهر الفساد في البر والبحر، وعرف الأعداء الذين درسوا تاريخنا وحقائق حياتنا، أن سر عظمتنا هو إسلامنا وعقيدتنا الربانية، التي ترقي بنا عن بريق الدنيا ومتاعها الزائل؛ لذا عمدوا إلى استلال مفاهيم العقيدة السليمة من قلوبنا، بالحكمة حينا وبالمكر والخداع حينا آخر، وبتخطيط ماكر استطاعوا أن يسلخوا المسلمين عن دينهم، وذلك بإقناع السذج منهم أن الإسلام تحفة قديمة، غالية الثمن إلى حد أنه يصعب استخدامها في هذا الزمن الأهوج، ولا بد من حفظ تلك التحفة على أجمل الرفوف، وفي أفخم الخزائن البلورية، تريك كل شيء لكنك لا تستطيع لمسها. وبهذه الصورة الرائعة من الخداع أبعدوا المسلمين عن شرعهم العظيم وعقيدتهم الصحيحة.
وقد أنبأنا رسول الله ﷺ عن الخطر الذي يتهدد المسلمين إذا ما ابتعدوا عن دينهم وعقيدتهم. فقد روى أبو داود، عن ثوبان ﵁ مولى رسول الله ﷺ حيث قال: قال رسول الله ﷺ: " يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله؛ وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
وأصبح حال المسلمين، كما قال الشاعر:
أني نظرت إلى الإسلام في بلد... رأيته كالطير مقصوصا جناحاه
وفي هذا الجو المشحون بالفوضي نشأ جيل مسلم، وجد الطريق، ولكنه تخبط وتعثر في خطواته، ولم يتعلم من كبواته كيف يقف ويصحح المسيرة، ويعترف بالخطأ، ويحدد العزم، ويمضي من جديد، فها نحن نرى الشباب الحائر الضائع، لاهثا وراء الشهوات، وقد ملئت بهم جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا، وصارت كأنها مسرح يتسابق فيه الشباب
1 / 7
والفتيات، لإظهار حبهم للغرب ومواكبة أفكاره ومبادئه، التي تعتبر حسب زعمهم قمة التطور والحضارة المعاصرة.
وكم يعتصرنا الحزن عندما نرى فتيات في عمر الزهور يقعن فريسة التقليد الأعمى للممثلات والمغنيات الغربيات، وشبابا في ريعان الصبا، ولكنه مائع مستهتر بمبادئ الدين والأخلاق.
فمن هو المسئول عن ضياع هؤلاء جميعا؟
لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نقف على حقيقة هامة؛ وهي: إن المرأة طرف فيما يتعرض له هذا الجيل من ضياع وانحراف عن طريق الهدى والرشاد، فلقد طالها جانب كبير من مؤامرة أهل الغي والضلال، حيث إنهم اهتدوا إلى معرفة سر قوة وعظمة جيل السلف الرائد، ولقد أقض مضاجعهم أن تبقى المرأة في مملكتها تربي الأجيال، وتصنع الأبطال العظام، فخططوا بمكر بالغ لإخراجها من بيتها، وزجوا بها في معركة تقليد المرأة الغربية، وهي الخاسر فيها لا محالة، وفعلا نجحوا في مطلبهم ومرادهم.
فالمرأة ركن أساسي في بناء المجتمع وهي سر سعادته أو شقائه، بصلاحها يصلح الجيل الناشئ وبفسادها يفسد، فهي الأم والزوجة والأخت والمعلمة والمربية، فهي تمثل نصف المجتمع، وهي تلد النصف الثاني، فهي الأمة بأسرها، وعليها أن تجد السبيل لتغيير هذا الواقع الأليم؛ وذلك بالعمل على تربية جيل إيماني، فريد بصفاته وملامحه، جيل يتربي في أحضان العقيدة الربانية، يحفظ القرآن الكريم ويتدبره، ويتفهم معاني السنة النبوية الشريفة، ويتدبر سيرة السلف الصالح من الصحابة المجاهدين الفاتحين ليكون أهلا للقيادة، ويغير مجرى الأمور كلها، ويسهم في قلب موازين القوى في العالم، لتصب في صالح الإسلام والمسلمين، فإذا حققت هذا الهدف وأوجدت هذا الجيل القرآني، فإنها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها مؤامرات من أطلقوا شعار (دمروا الإسلام أبيدوا أهله).
ولئن كانت حصيلة القرن الماضي في غياب الإسلام عن الساحة، فذلك لا يعني الغروب؛ لأن الغروب لا يحول دون الشروق مرة أخرى في كل صبح جديد معلنا رجوع الأمور إلى نصابها، عندها سيأوي العباد إلى الإسلام كما تأوي الطير إلى أعشاشها، طلبا للعيش الكريم والأمن والأمان بعيدا عن ضوضاء الفوضى والتناقضات.
1 / 8
مكانة المرأة عبر التاريخ
المرأة عند اليونان:
كانت المرأة في المجتمع اليوناني أول عهده محصنة عنيفة، لا تغادر البيت، ولا تسهم في الحياة العامة لا بقليل ولا بكثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجسا، وكانت مستعبدة تباع وتشتري، مسلوبة الإرادة والحرية لا تستطيع التصرف بما تملك حتى زواجها كان موكولا للرجل.
وعندما بدت مظاهر الحضارة اليونانية ابتذلت المرأة، واختلطت بالرجال في الأندية والمجتمعات، فانتشر الفساد وعمت المنكرات.
المرأة عند الرومان:
كان رب الأسرة هو المسيطر على الأبناء ذكورا وإناثا، فكل ما يملكه الأبناء هو ملك للأب، والبنت ليس لها حق التصرف فيما تملك، وهي ليست مؤهلة للتصرف في أي شيء.
وعندما فكروا بتعديل القانون قرروا إعطاء البنت حق ملكية ما تكسبه بسبب عملها، وكذلك أعطوها حق بيع نفسها لمن تريد بعد وفاة وليها، وكان عندهم في عقد الزواج صك اسمه حق سيادة الرجل عليها، وتوقع عليه المرأة ويسمى (اتفاق السيادة).
المرأة عند الهنود:
لم يكن للمرأة في شريعة (مانو) حق في الاستقلال عن أبيها أو أخيها أو زوجها، ولم يكن لها حق الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موته وأن تحرق معه وهي حية على موقد واحد، وكانت تقدم قربانا للآلهة لترضى، ولكثرة احتقارهم لها، فقد جاء في شرائعهم: (ليس الصبر المقدر والريح والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة).
المرأة عند اليهود:
هي في مرتبة الخادم محرومة من الميراث، وإذا ملكته لعدم وجود إخوة لها يحرم عليها الزواج من عائلة غريبة. وهي عندهم لعنة؛ لأنها أغوت آدم، فأخرجته من الجنة، وكانوا إذا
1 / 9
حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها وهجروها، فقد جاء عندهم في التوراة: (المرأة أمر من الموت، إن الصالح أمام الله من ينجو منها، رجلا واحدا بين هؤلاء وجدت، أما امرأة واحدة بين كل أولئك لم أجد).
المرأة عند النصارى:
لقد هال رجال الدين النصارى ما آل إليه المجتمع الروماني من انحلال أخلاقي شنيع، فاعتبروا المرأة مسئولة عن هذا كله، فقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأعلنوا أنها باب الشيطان، وهي سلاح إبليس للفتنة والإغراء.
فهي كما يقول القديس تروتوليان: (إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله مشوهة لصورة الله - الرجل -).
وقد عقد مؤتمر في فرنسا عام ٥٨٦ للميلاد موضوعه الجواب عن السؤال التالي: هل تعد المرأة إنسانا أم غير إنسان؟ وأخيرا قرروا أنها خلقت لخدمة الرجل فحسب، وهي قاصر لا يحق لها أن تتصرف بأموالها دون إذن زوجها أو وليها.
وقد كان القانون الإنجليزي يبيح للرجل أن يبيع زوجته.
ولما قامت الثورة الفرنسية، وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة، لم تشمل المرأة بحنوها، ونص القانون الفرنسي على أنها ليست أهلا للتعاقد دون رضى وليها إن كانت غير متزوجة.
المرأة عند العرب قبل الإسلام:
كانت المرأة مهضومة الحقوق لا ميراث لها، وليس لها أي حق على زوجها، فهو يطلقها متى يشاء، ويتزوج من غيرها بلا حدود، وكان العرب في الجاهلية يتشاءمون من ولادة الأنثى حتى وصل الأمر بهم إلى وأد البنات وهن أحياء خشية الفقر والعار.
1 / 10
مكانة المرأة في الإسلام
بقيت المرأة مستضعفة مهضومة الحقوق، مهيضة الجناح، مسلوبة الإرادة حتى جاء الإسلام بشريعته الغراء ووضع الميزان الحق في إقراره لكرامة المرأة، وإنسانيتها، وأهليتها لأداء رسالة سامية في المجتمع، وأعطاها مكانة عالية لتجد ممن حولها التقدير والاحترام اللائق بها كأم مربية للأجيال، وزوجة لها حقوق وعليها واجبات، وشابة يصان عرضها من عبث العابثين وأصحاب الشهوات. فقد قال الرسول: "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أبو داود.
ومن أهم الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة والتي سلبت منها عبر العصور السابقة هي:
١ - حق الحياة:
فقد حرم الله ﷿ وأدها كما كان يصنع بها العرب في الجاهلية، فقال ﷿: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٨، ٩]
وأنكر على من يتشاءمون لولادتها فقال الله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: ٥٨، ٥٩]
٢ - حق الملكية والتصرف بأموالها:
لقد أعطى الإسلام للمرأة حق ملكية الميراث، فقال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]
وأعطاها أيضا حق التصرف بأموالها، فلها أن تبيع وتشتري وتتصدق من أموالها كما تشاء، فهي كاملة الأهلية. وإذا كانت عاملة، فهي تستطيع أن تتصرف بمالها، وتنفق منه بالطريقة التي تريد وفق الأحكام الشرعية.
٣ - حق الموافقة على الخاطب أو رفضه:
فالمرأة كالرجل لها حق اختيار الزوج المؤمن الصالح، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده. فقد قال رسول الله ﷺ: " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن، وإذنها صمتها". رواه مسلم.
1 / 11
وقال ﷺ أيضا: " لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر. فقيل له: إن البكر تستحي، فقال: إذنها صمتها". رواه البخاري.
وقد جاءت الخنساء بنت خدام، فأخبرت الرسول ﷺ: " بأن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك فرد نكاحه". رواه البخاري.
٤ - حق العلم والتعلم:
سواء أكان العلم في المسجد، كما كان في زمن الرسول ﷺ، أو في المدارس والجامعات، كما هو في وقتنا الحالي، فقد قال الرسول ﷺ: " أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها... فله أجران... " رواه البخاري.
"وقد كان الرسول ﷺ يجعل للنساء يوما ليعظهن ويذكرهن ويأمرهن بطاعة الله تعالى".
٥ - حق مفارقة الزوج:
فعن ابن عباس ﵄ قال: "جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله ما أنقم علي ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر. فقال رسول الله: فتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فردت عليه حديقته، وأمره ففارقها". رواه البخاري.
وإلى جانب هذه الحقوق فقد قرر الإسلام أن المرأة والرجل خلقا من أصل واحد فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١]
ثم إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في التكليف، فقال ﷿: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]
إلى جانب ذلك، فقد دفع عنها اللعنة، فلم يحملها مسئولية خروج آدم من الجنة بدليل قوله تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا
1 / 12
وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠]
وقد أكرم الله تعالى المرأة بنتا وأما وزوجة، فقال في كتابه العزيز عن حق الأم: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥)﴾ [الأحقاف: ١٥]
وقال الرسول ﷺ: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" رواه مسلم.
وقال ﷺ أيضا: " استوصوا بالنساء خيرا... " رواه البخاري ومسلم.
أما تكريمها بنتا؛ فقد قال رسول الله ﷺ: " من يلي من هذه البنات شيئا، فأحسن إليهن كن له سترا من النار" رواه البخاري ومسلم.
٦ - حق المشاركة السياسية:
لقد أجاز الإسلام للمرأة أن تشارك في انتخاب رئيس الدولة. فقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
كما قال مجيد أبو حجير: (والشهادة واجبة على الرجل والمرأة، والانتخاب هو شهادة حق فيها إخبار عمن يصلح لقيادة الأمة.
والانتخاب اجتهاد لا تمنع منه الأنوثة؛ لأن الفتيا تصح من المرأة، كما أن عملية الانتخاب في عصرنا الحاضر منظمة، وتجري في فترة قصيرة لا تعطل المرأة عن وظائفها الأصلية، كزوجة وأم مربية.
وهذا بعكس ما إذا أرادت المرأة أن ترشح نفسها نائبة في البرلمان، فإن الإسلام يقف من ذلك موقف النفور لا لعدم أهلية المرأة لذلك، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عن ذلك والمخالفات لأحكام الشريعة وآداب الإسلام وأخلاقه، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها، وانصراف المرأة عن معاجة شئونها بكل هدوء وطمأنينة).
1 / 13
لأن متطلبات العمل السياسي المعاصر كثيرة ومتنوعة، فمن خروج من البيت ساعات طوال لمواكبة الأحداث اليومية، وما يقتضيه العمل السياسي من خروج المرأة، وسفرها خارج البلاد، وكثرة المتغيرات السياسية، كل هذه الأمور تتعارض مع طبيعة المرأة ومهمتها كزوجة وكأم وكمربية للأجيال.
وحتى إذ تولت المرأة المناصب السياسية، فلن يغير هذا العمل من صفاتها التي فطرها الله عليها، وستبقي الرقة والحنان هي طبيعتها التي تميزها عن الرجل. والدلائل على ذلك كثيرة: فهذه (أنديرا غاندي) رئيسة وزراء الهند كانت عند ذكر ابنها (سانجهاي) الذي قتل في حادث طائرة تبكي شأنها شأن أي امرأة في العالم، وينزف قلبها ألما وحسرة على فقد ولدها.
وهذه رئيسة وزراء بريطانيا (مارغريت تاتشر) تفقد ابنها في صحراء إفريقيا، فتظهر على شاشات التلفاز، وهي تبكي وتعتذر عن القيام بعملها كرئيسة الوزراء حتى يعثروا لها على ولدها. علما أنها كانت تلقب بالمرأة الحديدية.
1 / 14
شذرات عطرة من سيرة المرأة المسلمة
لقد اتصفت المرأة المسلمة في صدر الإسلام بجملة من الصفات، أهلتها لتشارك بفاعلية في الحياة العامة، فقد كان لها من قوة الشخصية، والقدرة العقلية وفصاحة اللسان وحسن الفهم والبيان، والقدرة على الصبر والثبات ما جعل الرسول ﷺ يحث على تكريمها ورفع شأنها، وإعطائها المكانة التي تليق بما في المجتمع، فها هو معلم البشرية الأول ﵊ يعلم زوجاته بنفسه.
فقد مر على زوجته جويرية بنت الحارث، وقد كانت عابده قانتة لله تعالى، فقال لها: "ألا أعلمك كلمات تقوليهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" رواه مسلم.
ولقد كانت السيدة عائشة ﵂ فقيهة محدثة تنظم الشعر أيضا، ويروي الشعبي، فيقول: قيل لعائشة ﵂: يا أم المؤمنين هذا القرآن تلقيته عن رسول الله ﷺ وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها عن أبيك وغيره، فما بال الطب؟ قالت: "كانت الوفود تأتي رسول صلي الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علته، فيسأل عن دوائها فيخبره بذلك، فحفظت ما كان يصفه وفهمته".
وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله ﷺ حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. رواه الترمذي.
وقد بلغ مسندها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، وقال الزهري: لو جمع علم الناس كلهم وأمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علما. رواه الحاكم.
وقد ذكر البلاذري في (فتوح البلدان): "أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب كانت تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كاتبة تدعى الشفاء العدوية، فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء أن تعلمها تحسين الخط، وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة".
1 / 15
وهذه أم الدرداء الصغرى (هجينة بنت يحيى الوصابية) روت علما جما عن زوجها أبي الدرداء، وعن سلمان الفارسي، وعن عائشة، وعن أبي هريرة؛ وعرضت القرآن علي أبي الدرداء، واشتهرت بالعلم والعمل، وكانت تقية زاهدة؛ عاشت طويلا حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان، وكان مرة جالسا في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء جالسة معه حين نودي لصلاة المغرب، فقام وقامت تتوكأ عليه حتى دخل بها المسجد، وكانت عالمة فقيهة يجلس إليها الرجال، فيقرأون عليها، وكان عبد الملك بن مروان يستمع إليها. وهذه فاطمة بنت علاء الدين السمرقندي الحنفي صاحب كتاب (تحفة الفقهاء) حفظت التحفة، فكانت فقيهة، طلبها كثير من الرجال، فلم يزوجها والدها، وعندما صنف أبو بكر الكاساني كتابه (بدائع الصنائع) وهو شرح التحفة عرضه على شيخه - أبوها - ففرح به كثيرا، وزوجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقالوا: شرح تحفته فزوجه ابنته.
وكانت الفتوى تأتي، فتخرج وعليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت صاحب البدائع كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها.
وهذه خولة بنت ثعلبة أنزل الله فيها قرآنا عندما أخذت تشتكي زوجها، وتقول: "يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له ما في بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني. اللهم إني أشكو إليك. فسألت النبي ﷺ عن ظهار زوجها منها، فقال لها: حرمت عليه. فأنزل الله قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: ١] ".
ويأخذ رسول الله البيعة من النساء فيقول: "تبايعن على ألا تشركن بالله شيئا. قالت هند زوج أبي سفيان - وكانت متخفية لم يعرفها رسول الله ﷺ بعد - إنك - والله - لتأخذ علينا ما لا تأخذ على الرجال، فسنؤتيكه. قال: ولا تسرقن. قالت: والله إن كنت لأحببت من مال أبي سفيان الهنة والهنة. فقال أبو سفيان - وكان حاضرا -: أما ما مضى فأنت منه في حل. فقال رسول الله ﷺ: أهند؟ قالت: أنا
1 / 16
هند، فاعفو عما سلف عفا الله عنك - وكانت قد لاكت كبد عمه حمزة بعد استشهاده في أحد -.
قال: ولا تزنين. قالت: وهل تزني الحرة؟ قال: ولا تقتلن أولادكن. قالت: ربيناهم صغارا، وقتلتهم في بدر كبارا، فأنت وهم أعلم. فضحك عمر حتى استلقي. قال: ولا تأتين ببهتان تفتريته بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل. قال: ولا تعصينني في معروف. قالت: ما جلسنا هذا المجلس، ونحن نريد أن تعصيك. فقال رسول الله ﷺ لعمر: بايعهن واستغفر لهن الله".
فها هو القائد الأول، ومعلم البشرية يصغي لهند، ولا ينهرها، ولا يعنفها، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على مدى احترام رسول الله ﷺ لرأي المرأة، وحقها في المناقشة والحوار.
وقد روت كتب السيرة عن فصاحة وبلاغة المرأة شيئا كثيرا، فقد روي أن عمر بن الخطاب قد ساءه مغالاة الناس في مهور بناتهم، فصعد المنبر وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: لا أعرف من زاد في الصداق على أربع مائة درهم؟ فقد كان رسول الله ﷺ وأصحابه الصداق فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله، أو مكرمة لما سبقتموهم إليها، ثم نزل المنبر، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين: نهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهم على أربع مائة؟ قال: نعم. قالت: أما سمعت الله يقول في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ قالت: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] قال عمر: اللهم اغفر، كل الناس أفقه من عمر. وقال - قولته المشهورة -: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
فهذا أمير المؤمنين رغم مكانته وهيبته عند المسلمين يصغي إلى نصح امرأة ويعترف بخطأه وبصحة قولها، وهذا من تمام العقل والحكمة، ويدل على مدى الاحترام والتقدير الذي كانت تحظى به المرأة في صدر الإسلام.
1 / 17
وحكت كتب السير والتاريخ عن قدرة المرأة العقلية، وذكائها، فهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق ﵂ لما هاجر رسول الله ﷺ من مكة، وكان معه أبو بكر الصديق، فحمل معه جميع ماله، تقول أسماء: فأتاني جدي أبو قحافة - وقد عمي - فقال: إن هذا فجعكم بماله ونفسه. فقلت: كلا! قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار، فجعلتها في كوة البيت، وغطيت عليها بثوب، ثم أخذت بيده ووضعتها على الثوب، فقلت: هذا ما تركه لنا، فقال: أما إذا ترك لكم هذا، فنعم.
وشاركت المرأة الرجل عبر التاريخ الإسلامي ميادين الجهاد، فهذه أم عمارة - نسيبة المازنية - تقول: " لقد رأيتني، وقد انكشف الناس عن رسول الله، وما بقي إلا نفر يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه تذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني لا ترس معي، فرأى رجلا موليا معه ترس، فقال لصاحب الترس: ألق ترسك لمن يقاتل. فألقى ترسه فأخذته، فجعلت أتترس به عن رسول الله ﷺ، فأقبل رجل على فرس، فضربني فتترست له، فلم يصنع سيفه شيئا، وولي، وأضرب عرقوب فرسه، فوقع على ظهره، فجعل النبي ﷺ يصيح: يا أم عمارة أمامك. قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب المنية".
وهذه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﷺ في يوم الخندق قالت: أنا أول امرأة قتلت رجلا، فقد كان حسان بن ثابت معنا، فمر بنا يهودي يطوف بالحصن، فقلت لحسان: مثل هذا لا آمنه على أن يدل على عوراتنا، فقم فاقتله قال: يغفر الله لك لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فاحتجزت - شدت وسطها - وأخذت عمودا ونزلت، فضربته حتى قتلته.
وعن أم عطية الأنصارية ﵂ قالت: "غزوت مع رسول الله ﷺ سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام" رواه مسلم. وكانت رفيدة الأنصارية تحرج للمعركة لتداوي الجرحى، وتسقي العطشي، فكان لها خيمة تداوي فيها الجرحى، وتحتسب ذلك عند ربها، وعندما أصيب سعد بن معاذ في معركة الخندق قال رسول الله ﷺ: "اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب".
1 / 18
وقد شاركت المرأة المسلمة في صدر الإسلام بالحدث السياسي، فهذه زينب بنت رسول الله، أسلمت قبل زوجها، وفرق الإسلام بينها وبينه، وعندما حصلت معركة بدر كان أبو العاص بن الربيع في صف قريش ضد المسلمين، فوقع في الأسر، ولما علمت زينب بذلك بعثت بقلادة لها لتفتدي بها زوجها، فلما رأى رسول الله ﷺ القلادة عرف أنها لزينب، فرق لها وقال: "إن أردتم أن تطلقوا لها أسيرها. فأطلقوه، وبعث رسول الله ﷺ من يأتيه بزينب من مكة، وحاول أهل زوجها منعها من ذلك، ولكنها استطاعت أخيرا أن تلحق بأبيها مع زيد بن حارثة، وبقي زوجها العاص بن الربيع بمكة حتى خرج مرة تاجرا إلى بلاد الشام، فلقيته سرية للرسول ﷺ، فأصابوا ما معه، وقفل هاربا حتى دخل على زينب تحت جنح الليل، فاستجار بها، فأجارته، وجاء في طلب ماله، فلما خرج رسول الله ﷺ إلى صلاة الصبح، فكبر وكبر الناس صرخت زينب من صفة النساء، وأخذت تقول: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. قال: فلما سلم رسول الله ﷺ من الصلاة، أقبل على الناس فقال: أيها الناس؛ هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم أنه يجير على المسلمين أدناهم. ثم انصرف رسول الله، فدخل على ابنته، فقال: أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له. وخرج إلى المسلمين، فقال لهم: إن أردتم أن تردوا عليه ماله أو أن تأخذوه، فهو فيء الله، وأنتم أحق به. فقالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه، فردوه عليه، ثم قفل راجعا إلى مكة، وأدى إلى كل ذي مال حقه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا! فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما قال: أما أنا، فأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت، ثم خرج حتى قدم على رسول الله يطلب زوجته فردها رسول الله ﷺ إليه"
وقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب عام الفتح رجلا، وقد أراد أخوها علي بن أبي طالب أن يقتله، فجاءت إلى الرسول ﷺ، فقالت: زعم ابن أبي وأمي علي
1 / 19
أنه قاتل رجلا أجرته - فلان بن هبيرة - فقال ﷺ: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". رواه البخاري ومسلم.
وقد تصدت المرأة بشجاعة وجرأة للحكام، فوقفت في وجوههم لتقول الحق، فهذه أسماء بنت أبي بكر يدخل عليها الحجاج عندما قتل ولدها عبد الله بن الزبير، فيقول لها: إن ولدك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به ما فعل. فقالت له: كذبت والله لقد كان بارا بوالديه صواما قواما فلقد أخبرنا رسول الله ﷺ: "أنه سيخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهم شر من الأول وهو مبير". أما الكذاب، فقد رأيناه وأما المبير، فلا أخالك إلا إياه، فلقد أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك.
وقد كان رسولنا الكريم يرفع من شأن النساء سواء كن زوجاته أم بناته أم نساء المؤمنين عامة، فقد كان الأب الحاني، والزوج الرفيق بزوجاته، والقائد الحكيم المتواضع، وقد سار أصحابه من بعده على نهجه في إعلاء شأن النساء.
1 / 20
ترجمة الشيخة مريم (٦٩١ - ٧٥٨ هـ = ١٢٩٢ - ١٣٥٧ م)
اسمها ونسبها:
ست القضاة مريم بنت عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر النابلسية، أم محمد، الملقبة بـ (ست القضاة) مسندة، حنبلية، من العالمات بالحديث. روته بنابلس ودمشق.
وهي أخت محمد بن أحمد الأذرعي الأصل القاهري الحنفي، ولد سنة ٧٣٨ هـ، بدمشق، وولي مشيخة الجامع الجديد بمصر، وخطابة جامع شيخو، وحدث، وسمع منه غير واحد، وأجاز وأجيز، واشتهر، ومات في القاهرة سنة ٨٠٥ هـ.
كانت زوجة عبد القادر بن عثمان الجعفري. وهي والدة شمس الدين محمد بن عبد القادر المتوفي سنة ٧٩٧ هـ.
سمعت من أبي الفضل ابن عساكر.
مولدها ووفاتها:
ولدت سنة ٦٩١ هـ، وكان مولدها ووفاتها بنابلس، وماتت في شهر المحرم سنة ٧٥٨ هـ.
وخرج لها الشهاب ابن حجر العسقلاني، (معجم الشيخة مريم) في دار الكتب (١٤٢١ حديث) كما في فهرس المخطوطات المصورة ١/ ١٠٦.
1 / 21
ترجمة ابن حجر العسقلاني
اسمه: هو أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي، الشهير بـ (ابن حجر العسقلاني)، الإمام، حافظ الدنيا، أمير المؤمنين في الحديث.
نسبه: الكناني، العسقلاني، المصري.
١ - الكناني نسبة إلى قبيلة كنانة.
٢ - العسقلاني نسبة إلى مدينة عسقلان بفلسطين.
٣ - المصري نسبة إلى مصر حيث كان فيها مولده ونشأته ووفاته.
لقبه: شهاب الدين، أما ابن حجر فقد اختلفت المصادر في كونها لقبا أو اسما، والراجح أنها لقب لبعض آبائه كما ذكره السخاوي، وجزم بذلك الشوكاني. مولده: ولد سنة ٧٧٣ هـ بالقاهرة.
نشأته: نشأ ابن حجر يتيم الأم، حيث ماتت قبل أن يتم ٤ سنوات، ثم ما لبث أبوه أن توفي عندما أتم ابن حجر ٤ سنوات، أوصى به والده قبل موته كبير التجار الزكي أبا بكر الخروبي، فقام على أمره بعد وفاة والده. وقد رزقه الله سرعة، وقوة في الحفظ، ونهما للعلم وشدة في الذكاء فاق بهما أقرانه. فقد حفظ سورة مريم في يوم واحد وقد أتم ٥ سنوات وأتم حفظ القرآن الكريم وله ٩ سنين، وحفظ بعد ذلك الكتب المختصرة في مبادئ العلوم مثل مختصر ابن الحاجب، والعمدة في الأحكام للمقدسي وذلك في علم الأصول، وألفية العراقي في الحديث وكتاب الحاوي الصغير لأبيه. وبعد موت وصيه الخروبي ٧٨٧ هـ، أصابه فتور عن التحصيل إلى أن استكمل ١٧ سنة، وذلك في سنة ٧٩٠ هـ. فاستمرت هذه الفترة لمدة ٣ سنوات ما لبث بعدها أن أكب على علم الحديث إلى جانب ما حبب إليه من الأدب، واللغة، والشعر. ولعل السبب الرئيسي في نبوغ ابن حجر ووصوله إلى هذا الشأن ذكاءه المتوقد، وقوة حفظه، فقد أثر عنه أنه قرأ السنن لابن ماجه في أربعة مجالس، وقرأ صحيح مسلم على محمد بن العز الربعي في يومين من بكرة النهار إلى الظهر، وقرأ صحيح البخاري كله في عشرة مجالس، وكل مجلس منها من بعد صلاة الظهر إلى العصر، وقرأ المعجم الصغير للطبراني في مجلس واحد بين صلاة
1 / 22