يا نفس! هذا جرم الأرض هو أثقل الأشياء كلها وذلك لرسوبه تحت سائر الأشياء وطفو سائر الأشياء كلها عليه. ولذلك صار هذا الجرم فى الغاية القصوى من الكثافة والجلافة والانحصار والكزازة وعدم النور والحياة. — ثم يتلو هذا الجرم من الأشياء جرم الماء وهو ألطف من الأرض وأصفى وأشرف وأنور وأقرب إلى الحياة. ثم يتلو جرم الماء جرم الهواء، وهو ألطف من الماء. ثم جرم النار الذى هو ألطف العناصر الأربعة وأشرفها وأشدها نورا. ثم يتلو جرم النار جرم الفلك الذى هو صفو ما تحته والمخصوص بالشرف على سائر الأجرام للطافته وإشفافه وشدة أنواره وحسن نظامه وترتيبه وقربه من الحياة ومجاورته الأشياء الشريفة الحية العاقلة، وأنه متشكل بسيد الأشكال وأتمها وأصحها الذى هو الشكل الكرى المدور، وأن سائر ما يحتوى عليه متشكل بشكله كرة دون كرة على الترتيب الذى ينتهى إلى كرة الأرض. ثم التالى لجرم الفلك الذى هو أقصى الأجرام كلها هو جوهر النفس المعطية الأفلاك الحركة النظامية والأنوار الصافية الشريفة التى هى ألطف من سائر ما أحاطت به من الأشياء واحتوت عليه. وذلك أن سائر ما تحتوى عليه أجسام وهى لا جسم ألبتة، وأن سائر الأشياء ممادونها لا حياة له إلا بها، وأنها ذات الفكرة والإرادة والتمييز: فما واصلته أظهرت فيه ذاتها على حقيقة قبوله فصار حيا، وما لم تواصله لم يوجد له فكر ولا إرادة ولا حركة ولا تمييز. وما فقد شيئا من هذه الأشياء فهو ميت لا محالة. والشىء التالى لجوهر النفس والعالى عليها والمحيط بها هو العقل. وبحق إنه ألطف الموجودات وأشرفها وأعلاها منزلة، وإنه المرتب تحت أفق الأزلى تبارك وتعالى والآخذ عنه بغير وسيط، والمفيد جميع ما تحته الشرف والنور والحياة، وأنه الترجمان الأعظم والحاجب الأقرب.
فتأملى، يا نفس، هذا الترتيب وتيقنيه واعتقديه فإن هيئة الموجودات ونظامها وترتيبها.
Bogga 58