Aasaasaha Masar Casriga
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Noocyada
كذلك استطعت أخيرا بفضل إذن جلالة الملك فؤاد أن أدرس طائفة قيمة من الخطابات والأوامر التي أصدرها محمد علي لكبار موظفيه.
وليس يسعني في هذا المقام إلا أن أنوه بما أسداه إلي من المعونة المشكورة كل من المسيو رينيه ويوسف جلاد بك (باشا)؛ فإنهما لم يضنا علي بمساعدتهما القيمة، كلما احتجت إليهما أثناء قيامي بمهمتي في القاهرة.
على أنني أشعر بأنني مدين للمسيو جورج دوين والأستاذ ل. م. ينسون؛ فلأولهما بسبب الانتفاع العظيم بالمجلدات القيمة التي كتبها للمجموعة التي نشرتها الجمعية الجغرافية الملكية في مصر، ولثانيهما لتفضله بقراءة مسودات الكتاب الحالي وتقديم ما عن له من الملاحظات النافعة.
هنري دودويل
الفصل الأول
محمد علي وارتفاع شأنه
لا يزال معشر أبناء الجيل الحالي يميلون إلى الاستخفاف بقوة أجدادنا في القرن الثامن عشر، وازدراء ما كان في أساليبهم من الخبرة والابتكار. فآدابهم الرسمية، وأزياؤهم المبرقشة، وأراجيزهم الحماسية، ورواياتهم الرقيقة الخيالية، وتواريخهم الشخصية؛ كل هذا يشعر بنهاية الدنيا القديمة أكثر مما يشعر ببداية دنيا جديدة. وعلى الرغم من هذا، يتعذر علينا المبالغة في مقدار ما نحن مدينون لهم به من الدين الحديث؛ فهؤلاء الأجداد لم يقتصروا على أن خلفوا لنا آراء معينة عن حب الإنسانية، ونظريات واضحة عن النهضة والرقي، بل تركوا لنا كذلك طريقة استخدام البخار في الصناعات، كما خلفوا لنا انقلابا في فنون الحرب، وهما النقطتان العظيمتان اللتان دارت حول محورهما آراؤنا وتاريخنا الحديث. وفي الواقع أن أجدادنا قد أحدثوا انقلابا كليا في موارد القوة، كانت نتيجته انهيار صرح الإمبراطوريات الكبرى وفشل ريحها؛ لأن القوة لم تعد قاصرة على سلالة أولئك القبائل الرحل الذين اندفعوا شرقا وغربا وجنوبا، وأخذوا يندفعون من براري روسيا الوسطى تجر في أذيالها مظاهر الخراب والقسوة. بل صارت الآن ملكا للشعوب التي تستطيع بما لديها من جنود المشاة المنظمة أحسن تنظيم أن تصمد بلا خوف ولا وجل في وجه أي قوة من الجنود الراكبة، بل أصبح في وسعها بفضل ما لديها من مدافع الحصار الضخمة أن تشق طريقا لنفسها وسط الأسوار مهما بلغت مناعتها وقوتها، كما أنها بفضل مدافع الميدان تقدر على تشتيت ما قد يستطيع الجنود الآسيوية الراكبة أن تحشده من التجمعات.
وبالجملة، لم ينته القرن الثامن عشر حتى كانت الولايات الهندية قد ذاقت الأمرين من فعل السلاح الجديد، وأخذت تطأطئ رأسها أمام شدة فتكه. هذا بينما كان الأتراك في الشرق الأدنى قد عجزوا عن مقاومته، وهم الذين كانوا قد تمكنوا قبل ذلك بكثير من اختراق جبال الكربات، وكادوا أن يستولوا على فيينا نفسها، وبدءوا ينسحبون أمامه؛ ومن ثم شرعت جنودهم تنجلي باستمرار عن المقاطعة تلو الأخرى وينتزع منهم الإقليم بعد الإقليم، بل إن قبضتهم على الآستانة أخذت تضعف رويدا رويدا. وكان بديهيا أن تنشأ عن ازدياد الشعور بالضعف العسكري جملة عواقب أدبية لها أثرها السيئ؛ ذلك لأنه كلما تلاشت الثقة بالنفس ازدادت الثقة المتبادلة انهيارا وضعفا. فقد تزعزعت ثقة الصاري عسكر - أو القائد العام - بمعاونيه من الضباط الذين كانوا بدورهم يرتابون فيه، ثم إن الآستانة أخذت تضمحل بشكل ملموس، وهي التي كانت يوما ما حصن الإسلام الحصين وركنه الركين، والتي أقيمت عليها المساجد في الماضي ذكرى لذلك الدين، لا بل إنه حتى المسيحيون المحتقرون الذين لبثوا القرون الطويلة وهم قانعون بحرث الأرض وأداء الجزية عن يد وهم وهم صاغرون - كما كان يفعل الرعايا الهندوس في دلهي - قد بدءوا يرفعون رءوسهم ويتهامسون بالاستقلال. وأصبح شأن باشوات السلطان كشأن أمراء الهند إبان سطوة إمبراطورية المغول لا ينفذون من الأوامر إلا ما يكفل لهم الربح ويعود عليهم بالمنفعة، ولم تكن «بشالك» بغداد ودمشق والقاهرة سوى ولايات تابعة في الاسم فقط.
علاقة مصر بتركيا
ذاقت ولاية مصر الكثير من مساوئ الحكم التركي في خلال العصور الطويلة، ولم تكن علاقاتها بالإمبراطورية يوما ما وثيقة حتى منذ الفتح العثماني في عهد السلطان سليم، بل لقد تركت غنيمة باردة يستبد بها من فروا من مذبحة المماليك، وأقاموا أنصع البراهين على نذالتهم وجبنهم بهجرهم لمولاهم. نعم؛ كان يشرف على أعمالهم أحد الباشاوات الذي تعينه حكومة الآستانة، وهذا الباشا الوالي نفسه كان عرضة للاستبدال من آن لآخر؛ لأنه لم يكن حاكما إلا بالاسم فقط لأن البيكوات وهم رؤساء المماليك وزعماؤهم قصروا مطامحهم على تحقيق اللبانات الشخصية الخاصة، بينما كان أتباعهم - وهم خليط من رقيق الجراكسة والكرج - يدربون على تأليف قوة من الجنود الراكبة غير النظامية. وفي الواقع، كانت هذه القوة أشجع وأسمى قوة راكبة غير نظامية في كافة أنحاء العالم، وكانت نفوس البيكوات تتطلع لاقتفاء الأشياء التي تهم ذواتهم. مثال ذلك أن الخراج الذي ينتزعونه من البلاد كان يذهب في ابتياع الثياب الزردية الفاخرة، وملء الإسطبلات بأفخر الجياد العربية، وتزيين القصور بأثمن السجاد الشرقي، وجلب أجمل بنات الرقيق إلى الحريم ووضعهن تحت حراسة الخصيان العبيد.
Bog aan la aqoon