172

Aasaasaha Masar Casriga

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Noocyada

وذهب إبراهيم باشا في زيارة فرنسا وإنجلترا، حيث استقبل فيهما استقبالا حافلا، وقد أظهر أنه لا يتأخر عن نخب أي إنسان، وقد صرح محمد علي أنه سيحتذي حذو ولده إبراهيم، وقد أكد له عدوه الألد القديم لورد بالمرستون الذي عاد إلى منصب وزارة الخارجية بأنه إذا حضر لإنجلترا فلسوف تقابله جلالة الملكة المقابلة الحافلة التي يستحقها، وأنه يمكنه أن يعتمد على حسن الاستقبال من حكومة جلالة الملكة له.

8

وشاءت المقادير ألا تقع هذه الزيارة، ولكن الباشا شد رحال السفر فعلا إلى الآستانة سنة 1846م، حيث قوبل مقابلة حارة، ثم (بعد زيارة قصيرة إلى مسقط رأسه في مدينة قولة) وهو يتمتع بصحة جيدة ومنشرح الصدر انشراحا لم يتمتع به منذ سنة 1840م، وقد تواترت الإشاعات بأنه وزع على كبار الناس في الآستانة ما يقرب من ربع مليون جنيه،

9

على أن هذا كان خاتمة أعماله؛ لأن إدارة البلاد ابتداء من سنة 1847م فصاعدا أصبحت فعلا في يدي ولده إبراهيم؛ لأن الباشا نفسه كان قد تغلبت عليه الشيخوخة الحقيقية. ولقد انتقل إبراهيم باشا إلى العالم الآخر في نهاية سنة 1848م؛ أي بعد أسابيع قليلة من تلاوته «الحظ الشريف» بتعيينه واليا على مصر بعد أن أقعد المرض والشيخوخة والده عن إدارة البلاد،

10

ثم خلف إبراهيم عباس الأول، وهنا لا بد أن نقول إن إبراهيم احتفظ بجميع تقاليد أبيه، ولكن سرعان ما تغيرت الأمور بجلوس عباس على الأريكة وتحولت الدنيا إلى دنيا جديدة تختلف كل الاختلاف عما كانت عليه في عهد سلفه الكبير؛ فإن محمد علي كان حريصا كل الحرص على الاعتدال في نفقاته الخصوصية، ولكن عباس كان لا يرى أن هناك ما يستحق الإنفاق أو إضاعة الأموال عليه، وقد كتب القنصل البريطاني العام وقتئذ بمناسبة ذلك فقال: «إن عباسا أصبح يشيح بوجهه عن المشروعات التي بدأها الباشا الكبير واحدا تلو الأخرى، فقد أغلق المدارس واستغنى عن المصانع، وإني أتوقع الآن أن أسمع أنه سيعدل قريبا عن مشروع القناطر الخيرية الذي أثار لغطا كبيرا في أوروبا؛ فلقد كلف المشروع الخزانة إلى الآن ما يقرب من المليوني جنيه، ولا يحتاج إلى إتمامه أكثر من نصف مليون، وبينما يضن عباس بالأموال على أمثال هذه المشروعات الحيوية تراه يبذرها يمينا وشمالا في تأثيث القصور وتقديم الهدايا الثمينة إلى أقارب السلطان في الآستانة، هذا إلى أنه شرع يتكلم عن ابتياع عدد من البواخر كانت في زعمه عديدة وزهيدة الثمن كثمر التين.»

11

ولحسن الحظ لم يكن محمد علي يعرف ما هو جار خلف الستار، ولا يدري أن عباسا الأول قد طرح كل مشروعاته النفيسة لترقية البلاد ظهريا الواحد تلو الآخر. وأحسب أنه لو كان علم بذلك لصدم صدمة دونها صدمة الشيخوخة وما ينتابه من الألم الجثماني. وأخيرا، بعد حياة حافلة لحق بربه وهو في سن الثمانين، وكانت وفاته في اليوم الثاني من شهر أغسطس سنة 1849م، ثم نقلت جثته من القصر إلى الطريق الذي سلكه من قبل في سنة 1844م، وهو مشوش الفكر، ثم بترعة المحمودية فنهر النيل إلى بولاق بالقاهرة، وكان في استقبال الجثة كافة أفراد الأسرة الباقين على قيد الحياة ولم يتخلف سوى عباس.

وسار موكب الجنازة البسيط ميمما شطر المكان الذي اختاره محمد علي منذ سنوات ليكون مثواه الأخير في المسجد الجديد الذي بناه بالقلعة، حيث يطل الإنسان على العاصمة الكبيرة ومجرى النيل ومن خلفها الأهرامات. وبهذه المناسبة كتب القنصل الإنجليزي العام بعبارة بليغة وبتأثر غير مألوف، فقال: «إن ما تظهره كافة طبقات السكان في مصر من الحب والتمجيد لاسم محمد علي يسمو في روعته عن أي موكب جنازة اجتمع لخلفه؛ فلا يزال الشيوخ من السكان يذكرون فضل محمد علي في تخليص البلاد مما كان فيها من الفوضى والاضطرابات، أما الشبان منهم فإنهم ما فتئوا يقارنون بين عهده النشيط وعهد خلفه القائم على التردد والتذبذب. وأخيرا، فإن سائر الطبقات بما فيها الأتراك والعرب لا يحسون فقط، بل يخشون التصريح علانية بأن يسر مصر ورخاءها قد انقضى بوفاة محمد علي ... وفي الحقيقة ليس من سبيل إلى إنكار أن محمد علي كان برغم غلطاته رجلا عظيما.»

Bog aan la aqoon