Aasaasaha Masar Casriga
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Noocyada
وبينما ظن الباشا يولي الجامعة الأزهرية القديمة عطفه ويرعاها بعنايته إذا به قد أنشأ بجانبها سلسلة من المعاهد، وقد رمى من ورائها إلى تغيير طريقة تفكير الجماهير وجعلها تتمشى مع مقتضيات الحضارة العصرية. وقد لخص أحد المعاصرين الإنجليز نيات محمد علي وخططه، فقال إنه بينما تمهل السلطان محمود بما أدخله فجأة من الإصلاحات العنيفة قد أضعف ولاء الأتراك له؛ فإن محمد علي قد ظل على العكس من مولاه محتفظا بالخلق السامي بين مختلف الأمم الإسلامية باتباعه الطريق الرشيدة الوحيدة التي لم يكن محيص عن اتباعها مع شعب كالشعب المصري لم يغترف من أصول المدنية إلا القليل.
فإن الباشا بما سنه من ضروب الإصلاحات التدريجية التي لا تمس الإحساسات الدينية ولا تصطدم بها قد وضع أساس الإصلاح الدائم لمعاهد الأمة متيقنا بأن التعليم سيزداد انتشارا بواسطة ما أنشأه من المدارس العمومية في مختلف أنحاء مملكته لتحقيق ما يرمي إليه من ضروب الإصلاح.
125
ويلوح أن تاريخ هذه السياسة يرجع إلى سنة 1820م، وكانت في منشأها تعتبر بمثابة نتيجة طبيعية لما أدخله الباشا من ضروب الإصلاح في الجيش؛ لأن التجاءه إلى اقتباس الأساليب الأوروبية الخاصة بطرق التنظيم والتدريب اقتضى طبعا الحصول على ضباط قادرين على دراسة العلوم الأوروبية العسكرية والهندسية والحسابية. وكان أول دليل على أن الباشا مسلما بصحة هذا الرأي أنه استخدم في القلعة في القاهرة معلما إيطاليا يدعى كوشي وعهد إليه بتعليم الرسم والرياضيات، ثم صدرت الأوامر بعد ذلك بتعليم اللغة الإيطالية ولغات البلاد الواقعة شرقي حوض البحر المتوسط، ثم طلب الباشا بعد ذلك معلمين لتعليم اللغة الفرنسية واللغة التركية، هذا عدا استخدام أحد مهرة المهندسين.
126
فمن هذه البداية البسيطة نشأت المدارس لتدريب الضباط وإعدادهم للفروع الخمسة في خدمة الباشا؛ وهي: الطوبجية، والهندسة، والسواري، والمشاة، والبحرية. تحت إشراف المعلمين الأوروبيين.
ولتوسيع أساس التعليم أرسل الباشا طائفة كبيرة من الشبان المصريين إلى فرنسا ولفيفا منهم إلى إنجلترا لإتمام دروسهم على حساب الباشا، وقد أينعت ثمار هذه السياسة الرشيدة في سنة 1833م عندما أنشأ الباشا مدرسة الفنون والصنايع لتكون بمثابة مدرسة لتدريب كليات الضباط. وكان بين أساتذة هذه المدرسة معلمان أوروبيان فقط أحدهما لتدريس الكيميا والآخر لتدريس الرياضيات، وإلى جانب هذين المعلمين كان هناك أربعة من المعلمين الأرمن قضى أحدهما عشر سنوات في مدينة ستوني هيرت بإنجلترا، هذا عدا ستة معلمين مسلمين تلقى ثلاثة منهم علومهم في جامعة باريس والثلاثة الباقون في جامعات إنجلترا،
127
وتلا هذا التوسع إنشاء عدد من المدارس الابتدائية في كل مديرية، وأنشأ مدرستين «تحضيريتين» كبيرتين إحداهما في القاهرة والأخرى في الإسكندرية لتغذية مدرسة الفنون والصنائع، وكان دخول الطالب في هذه المدارس بمثابة قبوله في خدمة الباشا، وكنت ترى الطلبة وقتئذ يتناولون مجانا الطعام والملبس والمسكن هذا عدا مرتبات شهرية قليلة تزداد تدريجيا كلما انتقل الطالب من أحد الفصول إلى الفصل الذي يليه.
أما مستقبل أولئك الطلبة ونوع الخدمة التي يعملون لها وما يتلقاه كل منهم من التعليم الفني؛ فهذه كلها مسائل لا رأي للطلبة فيها، بل الأمر متروك فيها للباشا ولموظفيه، ولقد كانت مصر أول دولة شرقية أدخل فيها التعليم الغربي على ما يشبه القواعد المنظمة.
Bog aan la aqoon