140

Aasaasaha Masar Casriga

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Noocyada

وهكذا عاد حق الملكية الفردية مرة أخرى، وأخذ هذا الحق ينتشر في طول البلاد وعرضها، وبذا أصبح الأفراد المسجلة أسماؤهم في سجلات الري ملاكا في الواقع، وأصبح للأراضي في مصر كما في الهند سعر تباع به، وها هو بورنج نفسه يشهد بأنه لم يسمع بأحد نزعت منه أراضيه في العهد الحديث إلا عقابا له على عدم أداء الضرائب،

57

وها هو ما كان ينتظر أن يحدث في الهند مثله في ظروف تشبه الظروف المشار إليها هنا.

وكانت ضرائب الأراضي تدفع عينا أو نقدا، فالجهات التي كانت صالحة لزراعة بعض محاصيل معينة كالقطن أو النيلة، وهي الجهات التي احتكر الباشا حاصلاتها، نقول: كان الباشا يفرض على تلك الجهات أن تقدم مقادير معينة من الحاصلات التي كانت تزرع فيها، وفيما عداها كان لصاحب الأرض أن يزرعها ما يشاء في مقابل ضريبة معينة تقدر بالنسبة لجودة الأرض وقيمة المحصول الذي يصلح زراعته فيها. وقد جرت العادة لغاية سنة 1834م أن تفرض الضرائب بنسبة المساحة بقطع النظر عما إذا كانت الأرض صالحة أو غير صالحة للزراعة متى كانت هناك مياه تكفي لري تلك الأرض ولو جزئيا، ولكن الباشا رأى في تلك الساعة أن يسلك الطريقة العادلة بألا يفرض الضرائب إلا على الأراضي التي يمكن ريها جميعا.

58

وأدخل الباشا حوالي ذلك الوقت إصلاحا آخر له قيمته العظمى، وذلك بإلغاء العادة التي كانت متبعة في مختلف العصور، وهي الاستعاضة عن النقص في الإيرادات الناشئة عن الضرائب على أطيان شخص معين بزيادتها على أطيان الأشخاص الآخرين، ويظهر أن هذه العادة كانت متبعة في كافة أنحاء الشرق وكانت معروفة في الهند بقدر ما كانت معروفة في مصر، وكان محبذو هذه العادة يدافعون عنها بقولهم إنها تحول دون تمكين مشايخ البلاد وغيرهم من أرباب النفوذ الواسع من فرض نسبة غير عادلة من الضرائب على صغار الملاك.

59

ويخيل إلينا أن مقدار الضرائب قد زاد زيادة كبيرة، لا بل لقد رددت الألسن أن الضريبة المالية قد زادت إلى نحو الضعفين،

60

ولكن هذه المسألة بمفردها تعتبر مبهمة أو مضللة على التحقيق؛ لأنها تتجاهل كثيرا من الضرائب الإضافية وبعضها معترف به، والآخر غير معلوم مما كان يحصله الموظفون وهو ما لم يكتف البابا بمنعه، بل حظره حظرا تاما، وكذلك لا ينبغي هنا أن يأخذ الإنسان جديا ملاحظة من نفور الفلاحين الشديد من دفع ما استحق عليهم من الضرائب؛ فلقد علمتهم التجارب القاسية في خلال قرون عديدة كما علمت الفلاحين الهنود من قبل أن المبادرة بدفع الضرائب أمر غير محمود العاقبة؛ إذ كثيرا ما كانت تلك المبادرة تئول إلى اعتقاد بوجود المال بكثرة؛ ومن ثم أدت إلى المطالبة بالمزيد. وليس من شك في أن عهد الحكم الضعيف الذي سبق عهد محمد علي قد ساعد على رسوخ هذه العقيدة في النفوس، كما حدث في عهد حكومة شركة الهند الشرقية سواء بسواء، وها هم الكتاب الفرنسيون الذين كانوا يراقبون حالة مصر في عهد نابليون يشهدون بما كان يتكبده المماليك من الصعوبات الشديدة في سبيل جمع الضرائب؛ فالفلاحون كما قال هؤلاء الكتاب: «لا يدفعون ما عليهم من المال إلا في آخر لحظة، وحتى بعد ذلك فإنهم يدفعون بالتي واللتيا ومليما مليما، بينما تراهم يخبئون أموالهم ويخفون أمتعتهم ومنقولاتهم ... فإذا ما أحسوا باقتراب الجنود منهم أطلقوا سيقانهم للريح تصحبهم نساؤهم وأولادهم ومواشيهم تاركين وراءهم عششهم خاوية على عروشها، وأما إذا أنسوا من أنفسهم قدرة على المقاومة، فإنهم لا يحجمون عن القتال بعد أن يستفزوا لمساعدتهم القرى المجاورة، بل ورجال البدو أنفسهم.» ولهذا كنت ترى المماليك ملزمين باستبقاء الجنود في كل مديرية من المديريات المصرية، ولا عمل لهؤلاء الجنود إلا محاولة إرغام القرى على دفع المال، وهي مهمة كثيرا ما كان الحظ يخونهم في أدائها، تلك كانت الحالة في عهد المماليك، ولكن محمد علي كان أعز سلطانا وأقوى نفوذا من هذا. ويلوح أن المقاومة العلنية لأداء المال كانت معدومة بتاتا، ولكن المقاومة السلبية كانت ما تزال متواصلة؛ فإن الفلاح كان على ما يظهر يحسب أن الشرف منتهى الشرف ألا يؤدي حصته من المال إلا بعد أن تنهال السياط على جوانبه، بل إن البطولة التي كانت تستحق التمجيد والاحترام في نظرهم هي التي كانت تدفع أحدهم إلى الاستماتة إلى النهاية في مقاومة دفع المال.

Bog aan la aqoon