Aasaasaha Masar Casriga
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Noocyada
33
ويستبعد على ما يظهر أن تكون هذه المسألة قد تنوسيت في أثناء اجتماع المشايخ في الإسكندرية، وهو الاجتماع الذي أسلفت الإشارة إليه، ولو أن البيان الذي أعطاه سكرتير الباشا إلى الكولونيل كامبل لم يذكر شيئا من هذا، فلم يكن ثمة مفر من أن تنتظر سياسة التوسع في توظيف المصريين لتطورات مشروعات الباشا التعليمية.
أما الأعمال في مركز الحكومة في حاضر القطر؛ فكانت موزعة بين سبع مصالح: الحربية والأسطول، والزراعة، والمالية، والتجارة، و«العلاقات الخارجية»، والتعليم، والبوليس. ومع أن الوزراء الذين كانوا يشغلون هذه المناصب كانوا يعتبرون من طبقة أرفع من طبقة مديري الأقاليم، لم تكن لهم أي سلطة على هؤلاء المديرين؛ لأن الباشا كان يحرص على أن تكون بيده كافة أعنة الحكم، كما أنه لم يسمح لهذه المصالح المركزية أن تجري في مجراها الطبيعي وتتسع دائرة أعمالها؛ حتى تصبح وزارات كبيرة تكون أول ما تضعه نصب عينيها أن تبرر وجودها بتعقيد الإجراءات العامة. وقد ألغى 200 وظيفة من وظائف الخزانة العامة، وكأنه لم يكتف بها بل راح يذكر المراقب بأنه في وسع كبار التجار الإسكندريين بأربعة من الكتبة فقط أن يراقبوا حركتهم التجارية التي لا يقل إيرادها عن ثلث إيراد الخزانة، وهل تناسى جنون الباشصراف في ملء الوظائف العمومية بالأقباط؟! ... فإن لم يستطع المراقب إدارة شئون الخزانة بطريقة أحسن من ذلك فلسوف تسند مهمة مراقبة الخزانة لشخص آخر.
ولعل أهم ناحية في حكم محمد علي هي - بلا جدال - حرصه على تنمية وتوسيع دائرة بحث المسائل العامة في عمل ما، فلقد أنشأ في سنة 1819م مجلسا أو ديوانا قوامه سبعة أشخاص لإدارة وبحث ما يعقد من الصفقات بين الخزينة وبين التجار الأوروبيين،
34
وطبق نظام التمحيص الرسمي هذا على كافة المصالح التابعة للحكومة المركزية، وأصبح من المحتم أن تقتل كل مسألة بحثا قبل عرضها على الباشا. ثم حدث التوسع في تطبيق هذا المبدأ في سنة 1829م؛ فلقد اختير إبراهيم باشا رئيسا لاجتماع خاص مركب من 400 شخص منهم كبار الموظفين المدنيين والضباط العسكريين والمديرون وبعض مشايخ البلاد، وتناول بحثهم خير الوسائل لإصلاح الفساد ولتحسين حالة الفلاحين. واستمر هذا المجلس يعقد جلساته في كل مساء وأقسم أعضاؤه أن يتكتموا كل ما يدور فيه من المباحثات. وفي سنة 1832م جرب الباشا مشروعا من هذا القبيل في سوريا، فقد أنشئ مجلس من الأعيان،
35
وعددهم 22 للنظر في شئون الرعية،
36
وفي سنة 1834م طالب فضيلة شيخ الجامع الأزهر ورئيس نقابة التجار بترشيح عدد لائق من العلماء والتجار للاشتراك في أعمال المجلس الأعلى، وكلف المديرين في الوقت نفسه بأن يشكلوا في كل مديرية جمعية من الزراع ومشايخ البلاد وغيرهم لانتخاب شيخين من مشايخ القرى لتمثيل مزارعي المديرية المذكورة في المجلس الأعلى. أما السائحون وكانت معلوماتهم عنوان الرأي العام الأوروبي فقد أساءوا فهم هذه الأمور وأساءوا تصويرها لمواطنيهم؛ فقد كان هناك من ناحية الشاب دزرائيلي الذي صور الباشا للناس كأنه يقول إنه يود أن تكون له برلمانات عديدة كما كان للغليوم الرابع مع حرصه على أن ينتخب هذه البرلمانات بنفسه، وكان يوجد من الناحية الأخرى بعض فلاسفة الراديكاليين ومن إليهم من أنصار سانت سيمونز، وكانوا يمثلون الباشا كأنه شخص اعتنق المبادئ الديمقراطية الغربية؛ فكان الفريق الأول لا يرى فيما يقوم به الباشا من التجارب إلا أنها مجرد حيل يراد بها التغرير بالرأي العام الأوروبي، وأما الفريق الثاني فكان يرى أن المقصود بها إنشاء حكومة نيابية.
Bog aan la aqoon