Aasaasaha Masar Casriga
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Noocyada
ويرجح أن يكون بين الأسباب التي أخرت سفر القناصل رغبتهم في أن يرقبوا عن كثب سلوك قنصل فرنسا الجنرال ، وسبب آخر أنهم كانوا قليلي الثقة بعضهم ببعض، مثال ذلك أن إحدى البواخر وصلت من بيروت في يوم 7 سبتمبر، وما كادت تلقي مراسيها في ثغر الإسكندرية حتى أرسلت ما قيمته 5 آلاف جنيه من النقود التركية في قارب ترفرف عليه الراية البريطانية لوضعه على ظهر إحدى البواخر الإنجليزية التي كانت مرابطة في الثغر الإسكندري، ولكن قومندان الميناء وضع يده على القارب وعلى النقود؛ لأن القانون التركي يحظر تصدير الذهب، وهنا استولى الغضب على هودجز وتهدد من إنزال الراية من على داره وأدرك ممثلا الروسيا والنمسا أن هذا التصرف يحتمل أن يثير نزاعا بين الباشا وبريطانيا العظمى؛ مما تجد معه الثانية الفرصة سانحة للانفراد بالعمل دون الانتظار لتدخل حلفائها؛ ولهذا تدخلا في النزاع بقصد تسويته.
105
ومع أن هذا الحادث كان من أعمال التحريض فإنه لم يبلغ حدود الامتهان والإذلال الذي تحمله هودجز آخر أيامه في الإسكندرية؛ فقد كانت هناك مسألة البريد الهندي أيضا. فقد وصلت إلى هودجز قبل ذلك بأشهر عديدة تعليمات بأن يستفسر من الباشا عما ينوي اتخاذه حيال البريد المذكور فيما لو استعمل الضغط ضده،
106
وفي يوم 19 سبتمبر وصل البريد الهندي، وهنا وقع هودجز في حيرة شديدة وقام من فوره قاصدا الديوان راجيا ألا يعتدي أحد على البريد، فما كان من الباشا إلا أن هز رأسه علامة الإيجاب، ولكن القنصل العام طلب توكيدا على ذلك فرد عليه الباشا بأنه لا يجيبه إلى طلبه.
وهنا أبدى هودجز استغرابه ودهشته فلم يسع محمد علي إلا أن يرد عليه بحدة قائلا: «إن الدول التي تزعم أنها متمدينة قد شرعت في اتخاذ إجراءات قد ترغمني على أن أحتذي حذوها فيها.»
فلما طلب إليه هودجز أن يوضح ما يريده من هذه العبارة استطرد الباشا، فقال: «إن تصريحات تلك الدول لا يمكن الارتكان إليها والثقة بها.»
وهنا قال هودجز إنه لا يسعه احتمال تلك الملاحظة إذا كان المقصود بها إنجلترا، فابتسم الباشا ابتسامة التهكم وقال: «فلتؤخذ هذه الملاحظة بأنها تعني إنجلترا أو لا تعنيها، ولكن ملاحظتي هذه ليست إلا صدى ما تتناقله الأفواه في كل مكان.»
وأخيرا، أخبره محمد علي أنه يسمح بمرور البريد هذه المرة فقط، ولما عاد هودجز إلى دار القنصلية والغضب مستول على حواسه أبرق إلى لورد بالمرستون وإلى حكومة بمباي بأن البريد لن يسمح بمروره في المستقبل.
وفي مساء اليوم نفسه بينما كان الحديث دائرا بين هودجز ومدير بريد حكومة جلالة الملك، أخبر الثاني الأول «بأن إنسانا ضعيفا قد أثار الفزع والرعب الكاذب بلا مسوغ» حول مسألة البريد.
Bog aan la aqoon