منهج الاعتدال
منهج الاعتدال
Daabacaha
دار التابعين بالرياض
Goobta Daabacaadda
٢٠٠٢
Noocyada
وآخرون يظنون أن التقية مع المسلمين، ويرون أن عليًا ﵁ كان يرى ضلال الشيخين أبي بكر وعمر ﵄، ولكنه سكت تقية.
فالطائفة الأولى: الذين لم يحسنوا المداراة، قد فقدوا الحكمة في الدعوة، فغلظت قلوبهم، وساءت أخلاقهم، واحتدت ألسنتهم، فنفروا العباد، وأساؤوا إلى الدين، وضيعوا كثيرًا من المصالح، وجلبوا كثيرًا من المفاسد، وخسروا الدعوة، ولم يقتصروا على ذلك، بل عابوا على غيرهم حكمتهم، واتهموهم بالمداهنة، أو بـ"التَّلون" لتلطف فعلوه، أو لكلام طيب مع المخالف أظهروه، أو لبيان حق لمصلحة شرعية أخّروه، وهؤلاء يحتجون بعموم النهي عن ذي الوجهين، وغير ذلك من النصوص والآثار، والأمر ليس كذلك، فذو الوجهين المذموم، من يريد الإفساد بين الناس، أو الاطلاع على أسرارهم ونقلها، فيأتي هؤلاء بكلام وهؤلاء بكلام، ليحرش هؤلاء على هؤلاء، وليفسد هؤلاء على هؤلاء.
أما المصلح ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بكلام طيب، وهؤلاء بكلام طيب، ولو كان كذبًا، ليؤلف القلوب، ويستميل النفوس، ويصلح الفساد، فلا يدخل في هذا النهي، بل من يفعل ذلك مخلصًا، فله أجر عظيم.
﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: (١١٤)].
وقال ﷺ: «ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا، ويقول خيرًا» [البخاري (٢٥٤٦) ومسلم (٤/ ٢٠٧) رقم (٢٦٠٥) عن أم كلثوم بنت عقبة].
قال الحافظ ابن حجر [فتح الباري: (١٠/ ٤٧٥)] [في شرحه لحديث ذي الوجهين]: "قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر له أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق، ومحض كذب وخداع، وتحيّل للاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة، قال: فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين، فهو محمود، وقال غيره الفرق بينهما: أن المذموم، من يزين لكل طائفة عملها، ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود: أن
1 / 86