بناء على الأوضاع المصرية الحالية سابقة الذكر فإن الحاجة تدعو إلى إعادة تنظيم أقسام مصر الإدارية؛ لكي تتواكب مع معطيات الأمور الآنية والقادمة. ولا شك في أن إعادة تخطيط الحدود الإدارية الحالية إنما يعبر عن ضغوط مقتضيات الأمور ومستجداتها. هناك أمثلة كثيرة لذلك نذكر منها التفكير في إنشاء محافظة جديدة شمال شرقي القاهرة تتمركز حول العاشر من رمضان، وإنشاء كيان خاص للأقصر، وامتداد لسان المنوفية عبر النهر إلى مدينة السادات، واللسان الطويل للجيزة إلى الواحة البحرية، وتقسيم سيناء إلى شمالية وجنوبية، وامتداد محافظات الصعيد مسافة ما شرقا وغربا فوق حافات الوادي إلى الهضاب الصحراوية، والمستقبل الإداري لمنطقة توشكى والنوبة وشرق العوينات، والمستقبل الإداري لمنطقة القاهرة: هل تبقى محافظة القاهرة شرق النيل لامتدادت إلى الشرق والشمال لا نعلم مداها، أم هي القاهرة الكبرى على جانبي النيل من القطامية إلى السادس من أكتوبر، أم تنقل الوظيفة السياسية من القاهرة إلى عاصمة جديدة في مكان آخر من مصر يخصص لها إقليم إداري منفصل؟ وغير ذلك أشياء أخرى كثيرة في إقليم الإسكندرية وامتداده غربا إلى برج العرب، وتعديلات الحدود في محافظتي البحر الأحمر والوادي الجديد.
كل هذه إرهاصات تفكير جدي في إعادة التركيب الإداري في مصر بدلا من التعديلات العديدة الفردية التي تظهر من حين لآخر لمواجهة مواقف جديدة. فما هو الشكل الجديد لأقسام مصر الإدارية؟
يتردد الفكر الإنساني بين نوعين من الأقسام أو الوحدات الإدارية والسياسية، بل ووحدات العمل والإنتاج. فهناك الفكر الذي يرى أن الصغير أجمل وأوفق، ويمكن تدبير أموره ومعرفة دقائقه، وهناك الفكر المضاد أن الكبير أكثر حيوية لما يتمتع به من تنوع موارد واتساع مجالي يسمح بحركة تعدل وتطور من كينونته خلال الزمن، بينما الصغير له سقف حركة محدود، مثال ذلك سويسرا مقابل الولايات المتحدة، أو الشركات القومية مقابل الشركات متعددة الجنسيات، أو المصانع الكبرى مقابل الصغيرة، وكذلك المزرعة الصغيرة مقابل الكبيرة.
وفي الوحدات الإدارية الصغيرة ميزات لا تنكر؛ لأنها تعرف دقائقها ومجالات تخصصها. مثلا دمياط كمدينة لها خصائصها التقليدية منذ عدة قرون. لكن نموها الاقتصادي السكاني تجمد مكانيا إلى أن اتسعت حدودها لتشمل إقليما إداريا أوسع قابل للاستثمار المالي والصناعي الزراعي الدمياطي بلغ 589كم مربعا، لكنها مع ذلك محافظة صغيرة المساحة. وبلغت الضغوط الاقتصادية الدمياطية من القوة ما ساعد على إنشاء ميناء بحري حديث ومدينة جديدة واستثمارات عامة وخاصة كبيرة. لكن تشغيل ميناء دمياط ينمو ببطء نتيجة لإشكاليات «بيروقراطية؟» في العمالة والاستثمار والنقل إلى بقية الدول لكي يقوم بمهامه القومية. وقد أدى التراجع النسبي في صناعة صيد الأسماك في المحافظة مع النمو السكاني (2,4٪)
8
أدى إلى ظهور هجرة دمياطية عبر حدود المحافظة إلى بورسعيد، وانتقال فروع للصناعات الدمياطية التقليدية إلى مدن خارج دمياط وخاصة القاهرة .
ومثل هذا محافظة بورسعيد التي أنشئت كمدينة حرة لكنها من الصغر المساحي (72كم مربعا) بحيث بدأت تشعر بثقل النمو في المساحة الصغيرة. ولأنها أعلى محافظات مصر في دخل الفرد
9
فإنها تعاني من تدفق الهجرة إليها بدليل أن نحو 15٪ من السكان يعيشون في سبعة أحياء عشوائية.
10
Bog aan la aqoon