إذا لم تجفف مياه إقليم البحيرات ولم يعد للزراعة، وصلنا إلى آخر حد لاستطاعة القطر تحمل سكانه في مدة اثنتي عشرة سنة على الأكثر.
الثانية:
إذا جففت مياهه وأعد للزراعة، وصلنا إلى الحد المذكور في مدة ثلاثين سنة على الأكثر.
وهاتان المدتان - حتى أطولهما - أقرب إلينا من حبل الوريد، ومعظم النسل الحاضر سيرى بعيني رأسه انقضاء هذه السنين، فماذا نصنع بعدئذ والزيادة مستمرة في السكان؟
لا ريب أنه يجب علينا منذ الآن التفكير في حل لهذه المعضلة الاجتماعية المتوقعة، وهو ما سنفرد له هذا البحث، فنقول: الجزء المروي أو الممكن ريه من القطر المصري على شكل شريط طويل دقيق، ينتهي طرفه الشمالي بشكل مروحة عند البحر الأبيض المتوسط، وهذه هي التي تسمى الدلتا.
وهذا الجزء المروي يحد بصحراء العرب شرقا وصحراء لوبية غربا. وليس في الإمكان ري أرض الصحراوين المذكورتين بمياه النيل؛ لارتفاعها وعدم استواء سطحها، فسيستمر جدبهما لهذا العائق الذي لا يمكن تذليله إلى ما شاء الله. ومن المستحيل في مصر الانتفاع بأرض لا يرويها النيل، فليس هناك احتمال لتوسع زراعي من هاتين الجهتين.
وفي الجهة الشمالية البحر، فإذا وجهنا زيادة عدد سكاننا إلى هذه الوجهة وافترضنا ارتحالها إلى ما وراء البحار، وتركنا جانبا كراهة المصري الغربة، فإننا لا نجد ما يحقق لها أي رغد من العيش؛ للبون الشاسع بين البلادين مناخا، وطبيعة، وجنسية، ولغة، وديانة، فهذه الجهة في حكم المسدودة.
أما المورد الصناعي للمعيشة، ففضلا عن أن مصر تنقصها المواد الأولية لتكون الصناعة فيها زاهرة يانعة، فإنه مورد محدود من المستحيل أن ينتفع به عدد عظيم من السكان في مصر، ولنفرض أنهم نصف مليون أو مليون، فإنه يستغرق بزيادة السكان في مدى أربع سنوات فقط، ومتى انقضى هذا الأجل القصير نجد أنفسنا أمام المعضلة بعينها من جديد.
وحاشا أن نقصد تثبيط الهمم عن الصناعة بهذا الكلام، وإنما القصد فقط بيان عدم كفاية هذا المورد، وأنه لا يحل المشكل الذي نحن بإزائه.
فالمنفذ الوحيد المفتوح أمامنا هو جهة الجنوب، حيث يوجد إقليم واسع ذو سكان قليلي العدد، وأرض من طبيعة أرض مصر تروى بنفس النيل، ولا يفصلها عنا فاصل، بل هي ومصر جسم واحد.
Bog aan la aqoon