وكانت قد شيدت المعبد ليكون «جنة آمون» وهو الرب الذي أوحى إليها بإرسال الأسطول للاستكشاف، وغرست حول المكان المدرج السابق الذكر شجر البخور الذي أحضرته من بلاد بنت، ولكي يهيئوا له الحياة المستديمة؛ فقد حفروا بالقرب منه بئرا في الصحراء لتروى منها الأشجار.
وأمرت الملكة بنقش قصة الرحلة على جدران المعبد في شكل صور مختلفة تمثل الرحلة من مبتداها إلى منتهاها.
فأنت تستطيع أن ترى السفن وهي تجاهد أمواج البحر في سبيل غرضها المجهول، ومقابلة المصريين بالبنتيين، ثم المبادلة التجارية ونقل المواد إلى السفن، ثم المواكب العظيمة من الجنود المصرية التي استقبلت رجال الأسطول المنتصر.
ولم تترك صغيرة إلا صورتها، وبفضل دقتها ودقة حفاريها علمتنا كيف كانت حياة البحارة وأعمالهم في تلك الأزمان، وكيف كانت المعاملات التجارية في الأراضي الغريبة، وكيف كانت تعيش القبائل في البلاد المتوحشة.
والعادة الآن أن الرحالة يضمن ملاحظاته عن البلاد التي جابها، ويجمع صورا عن أغرب المشاهدات فيها في مجلد كبير ينشره بين مواطنيه، ولكن واحدا منهم لم ينقش قصته كما نقشتها الملكة حتشبسوت، وواحدا منهم لم يزين كتابه بصورة بلغت من الدقة والجمال ما بلغته هذه الصور التي ظهرت للوجود حديثا، بعد أن طويت قرونا عدة.
وقد تركت الملكة بعد موتها غير المعبد وقصة الرحلة ما يكفي وحده لتخليد ذكراها على مر العصور.
وهي تخبرنا كيف أنها كانت جالسة يوما في قصرها تفكر في خالقها، حين لاح لها فجأة أن تشيد مسلتين أمام معبد الكرنك، وقد أمرت بتنفيذ الفكرة، وفي الحال سافر مهندسها الماهر «سن مت» إلى أسوان، وقطع من حجر الجرانيت ما يكفي لتشييد المسلتين، وأتى به عن طريق النيل.
ويبلغ ارتفاع مسلة كليوباطرة المقامة على ضفاف التيمز ثماني وستين قدما ونصفا، ونحن نظن أن مثل هذه الكتلة لا تستطيع صنعها يد بشر. ولقد تكلف مهندسونا الشيء الكثير في نقلها إلى هنا وإقامتها حيث هي على شاطئ التيمز.
أما هاتان المسلتان اللتان شيدتهما حتشبسوت، فلا يقل ارتفاع الواحدة منهما عن ثمانية وتسعين قدما ونصف، وتزن كل منهما ثلاثمائة وخمسين طنا، ومع ما وصفنا فقد استغرق المهندس المصري في نقل الحجارة من أسوان إلى طيبة وفي صنعهما سبعة أشهر!
ولا تزال إحداهما باقية إلى الآن في الكرنك، وهي أطول مسلة في المعبد. أما الأخرى، فقد تهدمت وتكومت أطلالها بجانب المسلة الباقية، وهما تدلان دلالة واضحة عما كان عليه المصريون من التقدم العقلي والفني في عهد تشييدهما.
Bog aan la aqoon