وفي كثير من الأحيان إذا خان الحظ الجندي المقاتل الموجود بالعربة، يعمد الآخر - السائق - إلى مساعدته، فيلف عنان الجوادين حول وسطه، ويبتدئ في الطعان، على أن يضبط الخيل بتمايله ذات اليمين وذات اليسار.
ويحيط بعربة فرعون الحرس الملكي، وكان مكونا من رجال يدعوهم المصريون «أرشردن» أو السردانيين، ومن المحتمل أن يكونوا من القوم الذين أتوا مصر من جهة البحر؛ ليرتزقوا من الخدمة في الجيش. وكانوا يضعون على رءوسهم الخوذ المعدنية ذات القرون، وحول صدورهم الدروع القوية، وبأيديهم السيوف الطويلة.
وخلف هؤلاء تسير الجند المرتزقة، وهم فرق سودانية على أجسامهم جلود الحيوانات المفترسة، وفي المؤخرة جنود ليبيون من البدو.
ويسبق الجميع في أثناء الحرب فرق الكشافة، يستطلعون الأخبار، ويتجسسون على العدو، ويمدون جيوشهم بالأخبار.
وكان للملك حارس خاص به، هو أغرب حارس في العالم القديم والحديث؛ لأنه كان أسدا مستأنسا، درب لخدمة سيده والدفاع عنه بأسنانه ومخالبه إذا هاجمه عدو.
أما مهمات الجيش، فكانت ترفع على ظهور الحمير ويرقبها الحمالون، وكان المصريون من أعظم الناس احتمالا لمشقات السفر والمشي، حتى ولو كان تحت أشعة شمس سوريا المحرقة، وخلال طرقها المجهولة، وكانوا يسيرون خمسة عشر ميلا يوميا، لمدة أسبوع دون أن ينهكهم التعب. والآن سأروي لك قصة جندي، حدثت في معركة من «أهم» معارك التاريخ.
كان مينا من أمهر راكبي العربات في الجيش المصري، وقد ساعده نبوغه على الترقي والتقدم مع حداثة سنه، حتى اختير ليكون سائق عربة فرعون نفسه لما خرج الجيش من زارو (حصن مصر على الحدود) ليحارب جيوش الحيثيين في شمال سوريا.
ولقد سار الجيش مسافة طويلة مخترقا الصحراء ثم أراضي فلسطين عابرا الجبال، ولم يظهر للعدو أثر، وكان مينا موجها اهتمامه لقيادة الخيل وإدارة العربة.
وابتدأ الجيش ينحدر إلى وادي الأورنت في اتجاه قادش، وقد تسربت الكشافة إلى جميع الجهات، ومكث الجيش ينتظر قدوم العدو وقد ساوره القلق.
وكانت قادش ترى على مرمى البصر، وقد ظهرت في الأفق قمم أبنيتها، وانعكست في الفضاء أشعة الشمس المنعكسة على سطوح أنهارها وسطح الخندق المحيط بها. وكان السهل الممدود بين الجيش المصري والبلد الزاحف عليها خاليا من أثر الإنسان، بما زاد في دهشة الملك وقلق جنوده، وجاءت الكشافة بالأخبار، وأعلمت الملك بأن جيش الأعداء تقهقر إلى الشمال من الخوف والفرق، فظن الملك أنه مستول على المدينة بلا عراك، ثم أسرع بتقسيم الجيش إلى أربع فرق، وقاد الفرقة الأولى، وسار بها نحو قادش بجرأة عظيمة، وبلا روية أو تدبير، بعد أن أمر الفرق الأخرى باللحاق به، على ألا تبدأ فرقة بالمسير إلا إن ابتعدت منها الفرقة السابقة لها بمسافة معلومة.
Bog aan la aqoon